×
محافظة المنطقة الشرقية

المملكة تستعد لانتخابات البلديات بـ”خطة طوارئ”

صورة الخبر

في البداية كانت الدهشة، ثم الإسراع في إبداء حسن النوايا وسعة الصدر وفتح الحدود وإعلان المزايا، ثم هبط الجميع إلى أرض الواقع حيث محدودية الموارد وصعوبة الاحتواء وخطر الإرهاب. بين «هاشتاغ #ماما_ميركل» الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، إلى صراخ آلاف المُحتجزين عند هذا السياج الحديد أو ذلك الشاطئ البارد، أسابيع قليلة وقصص كثيرة وسياسات عتيدة، بعضها ناجح وكثير منها فاشل. لكن تبقى الوجوه الملتاعة على حدود هنغاريا، والأجساد المرتعشة عند سواحل اليونان، والعائلات الطامحة الى بلوغ حدود ألمانيا، قصص وحكايات بشرية لم يحن بعد الوقت لسماع تفاصيلها. تفاصيل «أزمة الهجرة واللاجئين الأورومتوسطيين وحجم رد الفعل الأوروبي»، بحثها خبراء واختصاصيون ولاجئون في طاولة مستديرة أخيراً، عقدها مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأميركية في القاهرة، بالتعاون مع كل من «المعهد الفنلندي في الشرق الأوسط» وسفارة فنلندا في مصر. الأربعاء الماضي، سجّلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين 4288672 لاجئاً سورياً في بلدان عدة، مقسّمين مناصفة بين الذكور (49،7 في المئة) والإناث (50،3 في المئة)، تتراوح أعمار الغالبية المطلقة منهم بين 18 و59 سنة. وتقف هذه الأعداد الغفيرة إضافة إلى أعداد أكبر على حدود الدول الأوروبية في العراء، تنتظر الإذن لها بالدخول، ما يتطلّب من الدول المعنية الانتباه والتأقلم والابتكار، على حدّ قول مدير مركز دراسات الهجرة واللاجئين الدكتور إبراهيم عوض، الذي يشير إلى أن أزمة اللاجئين السوريين لم تكن في بال أحد أو حسبانه قبل خمس سنوات. وشهدت السنوات الماضية حركات هروب أو نزوح جماعي من الداخل السوري، لكن سرعتها واتساعها خلال الأسابيع الأخيرة جعلا منها كارثة بكل المقاييس. رئيس وفد الاتحاد الأوروبي لدى القاهرة السفير جيمس موران، قال أن الأزمة السورية كانت مرشّحة للانفجار، لكن أحداً لم يتوقّع أن تنفجر بهذه السرعة والكثافة، ما يعني أن التعامل معها لا يمكن أن يتبلور بين ليلة وضحاها. وعلى رغم تركيز كاميرات التلفزيون في فترات سابقة على وجه طفل جميل جالس في العراء، أو ملامح طفلة فقدت والديها ما أكسب التغطيات الإعلامية عوامل جذب إنسانية، إلا أن الأزمة الواقعة رحاها هذه الآونة تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والسياسية وأخيراً الأمنية، حيث مخاوف غربية ضارية من تمدّد الإرهاب داخل أراضيها من خلال متسرّبين ضمن اللاجئين. الأستاذ الزائر في جامعة القاهرة الدكتور يون فولكل، يأخذ على البلدان الأوروبية تركيزها المبالغ فيه على الجوانب الأمنية في ما يتعلّق بقضايا اللاجئين، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى نتائج اجتماعية وإنسانية وخيمة. مآسي لاجئي المراكب والجموع المحتشدة على الحدود وغيرها من أشكال الهجرة واللجوء الجماعية، إضافة إلى بزوغ ظاهرة المُهربين والمتاجرين باللاجئين، هي نتائج متوقعة للسياسة الأوروبية الخاصة باللجوء. ويرى فولكل أن ملايين اليوروات التي تنفقها بلدان الاتحاد الأوروبي على أنظمة المراقبة والاستطلاع لا قيمة لها، حيث أن هؤلاء اللاجئين سيأتون في شكل أو في آخر. من المقلاة إلى النار آخر ما يتوقعه اللاجئ الهارب من حرب ضارية أو اضطهاد مروّع أو خطر داهم، أن يكون قد نجح في الهروب من المقلاة إلى النار. فمن نيران الحرب وألسنة العنف والخطر إلى نيران العنصرية والخوف من الأجانب والتفرقة التي يلقاها لاجئون كثر في بلدان أوروبية، ما يحتّم ضرورة مراجعة سياساتها الخاصة باللاجئين. يقول فولكل أن الجهة التي تتخذ القرارت الخاصة بقبول طلبات اللاجئين تكون عادة وزارة الداخلية، على رغم أن الجانب الأكبر من مشكلات اللاجئين في هذه البلدان ليس أمنياً. ويضيف: «لو ضلعت جهات أخرى مثل وزارات الخارجية والثقافة والتعاون الدولي، في اتخاذ القرار، ستختلف حياة المهاجر القادم من منطقة الشرق الأوسط في الغرب حتماً». مشكلات اللاجئين من المنطقة العربية كثيراً ما تدور حول القدرة أو الرغبة أو التشجيع على الاندماج (وليس الذوبان) في المجتمعات الجديدة، أي عدم الانعزال طوعاً أو قسراً. وتحتّم قواعد اللجوء والهجرة على الدول المستقبلة أن تتأكد من توافر الأدوات والفرص لدى القادمين الجدد للوصول إلى الحلول، لا سيما الاندماج والتواصل مع المجتمع الجديد. وتشمل هذه الأدوات فرص التعليم والرعاية الصحية والسكن الصحي، وذلك للتقليل من هشاشتهم في المجتمعات الجديدة وتدريبهم على الاعتماد على أنفسهم شأنهم شأن باقي المواطنين. ويُعد هذا النوع من الاندماج الضمانة الوحيدة لهم وللمجتمعات من حولهم، وإلا فإن خطر الانجذاب إلى تنظيمات متشدّدة يظلّ يلوح في الأفق. وبينما يستمر الأفق ملبداً بملايين يحاولون الهرب من حرب ضارية لا يعرف أحد تحديداً من يحارب من فيها، تظلّ الحدود الأوروبية مغلقة في وجه هؤلاء إلى حين حساب المنافع والمقايضة على المطالب، أو المتاجرة بمخاوف الإرهاب والتشكّك في الإرهابيين، وتبادل إلقاء الاتهامات بين بلدان تفتح «حنفية» المهاجرين تارة للضغط ثم تغلقها بعد حصولها على «المعلوم»، وأخرى تصرخ من ويلات اقتصادية بسببهم وأخطار أمنية تحملها خيامهم، تبرز مقترحات بعلاجات غير تقليدية تبدو بعيدة من بؤرة الاهتمام تحت وطأة الأحداث، وتدخّلات إنسانية تنتظر من يفعّلها. الخبراء والاختصاصيون، لا السياسيون، يطالبون بمراعاة معايير حقوق الإنسان واحترامها في المقام الأول والأخير في التعامل مع طالبي اللجوء، بغضّ النظر عن وضعهم القانوني أو الطريقة التي وصلوا بها إلى بلد اللجوء. وبالطبع هناك مجموعات معرّضة للخطر أكثر من غيرها تتطلّب معاملة خاصة، مثل الأطفال سواء كانوا مع ذويهم أو وحدهم. ويطالب الخبراء بأن تكون هذه العقيدة الحقوقية السمة العامة، حتى في الحالات التي تتعارض ومعايير قبول طلب اللجوء، حيث التأكّد من إعادة أولئك إلى بلدانهم والبلدان التي قدموا منها من دون تعريضهم للخطر. أصل الداء الأخطار التي تدفع الملايين إلى الفرار هي أصل الداء. ووفق ما تشير إليه سفيرة فنلندا لدى القـــاهرة تولا أريولا، فإن التعامل مع العوامل المفجّرة لظاهرة اللجوء والهـــجرة غير الشرعية على القدر عينه من أهمية تـــــقديم الدعم والمساندة والمعونة للمعرّضين للخطر. وأبرز هذه العوامل، الصراعات المسلّحة وعوامل تغيّر المناخ. ويطغى ملايين اللاجئين السوريين والتعامل الأوروبي مع الأزمة والتغيير على مدار اليوم على مناخ اللجوء في العالم، وذلك وفق تحرّكات «داعش» وأخطار ما يسمّى بـ «الإرهاب» في أوروبا. إنها الأزمة الإنسانية الأكبر والأبشع في القرن الـ21، إذ لا تقتصر على ملايين اللاجئين والذين في طريقهم إلى اللجوء، بل على الملايين من النازحين داخلياً. وتظلّ الأزمة منحصرة في أعداد وسياسة واقتصاد واندماج وإقصاء من دون فرصة للنظر إلى وجوهها، حيث قصص إنسانية أو لا إنسانية لا حصر لها.