×
محافظة مكة المكرمة

أمانة جدة تغلق “مطعم بلزميكو تو” الواقع بحي الزهراء

صورة الخبر

كنت خلال الشهور والأسابيع الأخيرة أرصد حديثاً مستمراً وكتابات متكررة حول الحاجة إلى صوغ سياسة خارجية جديدة في ضوء الأوضاع المصرية الحالية. وكانت لدي دائماً نظرة ورؤية محددة منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011 تجاه هذا المطلب، وقمت بتلخيص وطرح هذه الرؤية في كتابين صدرا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة؛ أولهما كتاب «شهادتي» الصادر في منتصف كانون الثاني 2013 والآخر كتاب «شاهد على الحرب والسلام» الذي صدر في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه. قلت في كتاب «شهادتي»: لقد تحدث كثيرون منذ 25 كانون الثاني وحتى اليوم حول الحاجة إلى سياسة خارجية جديدة لمصر، وأقول في هذا السياق إن التاريخ والجغرافيا وثقافة مصر ودورها يفرض عليها دائماً مواقف وسياسات مستقرة لعشرات إن لم يكن لمئات السنين. مصر العربية/ الإسلامية/ المسيحية/ الإفريقية/ الآسيوية/ البحر متوسطية. مصر التي تمتص الحضارات وتتفاعل مع العالم الغربي بكل مكوناته ولا تتوقف عن الانفتاح على الغير، سواء الصين أو الهند أو روسيا والبرازيل. مصر التي تتنافس على المكانة والدور في هذا الإقليم الواسع الممتد من إيران في الشرق إلى المغرب في الغرب ومن شواطئ البحر المتوسط في الشمال إلى شواطئ بحيرة فيكتوريا والبحيرات العظمى في أواسط القارة الإفريقية في الجنوب. وأختتم بقولي: هكذا قلت في كتاب «شهادتي» إن مصر ومكانتها الدولية والإقليمية وفاعلية سياستها الخارجية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال نجاح هذا البلد العظيم في تأمين منظومة كاملة من النجاحات في الداخل المصري. فإذا تحقق ذلك، كانت لمصر فاعليتها وقدرتها على التأثير في جوارها وإقليمها. أما إذا بقيت مصر في سكونها أو أوضاعها الحالية أو قررت العودة بسياسات من الماضي السحيق باعتباره الخلاص والنافذة إلى الطهارة والانسجام الإنساني مع آمال شعوب الإقليم، فلن يكون أمامها سوى سياسات تقود إلى الشعبوية والديماغوجية والكذب والمظهرية، وربما الصدام مع خصوم لها في المنطقة أو على مستوى العالم تحقيقاً للمكانة وإظهاراً للسطوة. ولن يتحقق لها أيهما إلا من خلال التغيير والجدية والعمل والالتزام بمنظومة متكاملة من القوانين العادلة التي تسود وتطبق على جميع المصريين بمساواة وموضوعية ومن دون تفرقة بين مصري وآخر. أما القول بإحداث تغييرات جوهرية في مواقف مصر وتوجهاتها، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى المزيد من إهدار الإمكانات والموارد ولن يحقق الأهداف المطلوبة، خصوصاً أن العناصر الحاكمة للمعادلة الدولية الحالية لن تتغير بين ليلة وضحاها، بل ستأخذ إذا ما تغيرت، عقوداً ممتدة. وجاء في كتابي «شاهد على الحرب والسلام»، وفي خاتمته تحديداً، الكثير من الإشارات التي تكرر هذه القناعات في شأن السياستين الخارجية والداخلية لمصر. من ناحية أخرى، سيلاحظ القارئ الكريم أنه عند تناولي جوانب السياسة الخارجية المصرية في «المستقبل»، أنني أتحدث عن «الاستمرار» في كذا وكذا، لاقتناعي أننا فعلاً ننفذ حالياً هذه الإجراءات كافة التي تحقق سياسة فاعلة مجزية لمصر ستعود عليها وعلى أوضاعها الداخلية بالكثير من الخير. إن النصر الكبير الذي تحقق للقوات المسلحة ولمصر في تشرين الأول 1973 وفي وجه تحديات وصعاب غير مسبوقة في التاريخ المصري، هو أمر قابل للتكرار اليوم في مواجهة ظروف مختلفة، وإن كانت تمثل حرباً ضروساً للانتقال بمصر إلى عصر جديد لها، يأخذها إلى مصاف الدول والمجتمعات العظيمة ويلحق بالقرن الحادي والعشرين. وفي هذا الإطار فإن للقوات المسلحة دوراً لا يمكن إنكاره بما تتمتع به من وطنية وحسن إدارة وانضباط وتحقيق النقلة النوعية للمجتمع المصري التي يتشوق إليها. والحقيقة أن روح أكتوبر، من وجهة نظري، ينبغي ألا تركّز فقط على قدرة جيش مصر وقواتها المسلحة في العبور الباهر لقناة السويس الساعة 14.05 من ظهر 6 تشرين الأول 1973 مدعومة بالمدفعية والطيران ولتدمير خط بارليف وتمسكها بالأرض داخل سيناء واحتوائها للثغرة، الأمر الذي فتح الطريق للعمل السياسي لاستكمال إعادة سيناء إلى الوطن بالكامل، ولكن، أن يأتي التركيز على المعركة الاستراتيجية المتكاملة التي تمَّت من خلالها إدارة الحرب في شقيها العسكري والديبلوماسي، والفهم العميق لمغزى العمل العسكري باعتباره امتداداً للسياسة بوسائل أخرى، وأن هناك مراحل من العمل العسكري والديبلوماسي لتحقيق هدف الحرب. وهي معانٍ أثق أنها لا تخفى عنا ونحن نتدبر معركة اليوم، سواء في مكافحة عمليات الإرهاب وما يحيط بالمنطقة من تهديدات خطيرة أو تحديات للانتصار في معركة النمو والتطور والبناء وتغيير ثقافة التناول المجتمعي، وغير ذلك من معارك سنخوضها وننتصر فيها بإرادة الله والشعب. وأضيف إنه في إطار التفكير في مفهوم «روح أكتوبر» أرى أن هناك صفات وقيماً يجب ألا تغيب عن المتابع المدقق لما حدث وما سيحدث مستقبلاً. قيم مثل الشجاعة، شجاعة القرار، شجاعة الرجال، ومفاهيم أساسية في تحقيق الهدف الأكبر، مفهوم المبادرة والمبادأة، عنصر التصميم والعناد، الاستعداد للتضحية بالنفس. فكرة الولاء للوطن والأمة والدين، والفهم العميق للمهمة المطلوبة، وكيفية تحقيق الهدف من خلال الموارد المتاحة. وبذا تبنى الاستراتيجية الناضجة التي تحقق النصر وتؤدي إلى كسر إرادة الخصم. وهي كلها مفاهيم وعناصر تم التمسك بها بوضوح في إطار معركة أكتوبر في شقيها العسكري والديبلوماسي، وأخيراً الحكمة والواقعية في معالجة الأمور والتحديات. وقد يكون من المناسب ونحن نبحث في روح تشرين الأول وتأثيراتها في الانطلاق للمستقبل، أن نتطرق بقدر من الإيجاز لبعض الأمثلة في الكيفية التي أديرت بها هذه المعركة التاريخية الكبرى، لعلَّها تساهم في صوغ روح المستقبل انطلاقاً من الماضي القريب. ثم نتعرض بعد ذلك لتحديات إدارة المعركة الاستراتيجية والسياسية للمستقبل. روح أكتوبر 1973 1- بداية، روح تشرين الأول (أكتوبر) تتمثل وفي شكل واضح محسوس في هذه المعركة التدريبية الكبيرة والممتدة التي بدأتها القوات المسلحة في أعقاب هزيمة 5 حزيران (يونيو) وامتدت سنوات من العرق والجهد إعداداً لهذا الجيش بكل عناصره وأفرعه الرئيسية للمعركة المقبلة، وفي الوقت الذي تختاره القيادة السياسية والعسكرية عندما تتأكد من أن غالبية ساحقة في شعب مصر تعي الموقف وتؤيد القيادة. 2- يدور الحديث دائماً عن شجاعة القرار، وأقول إن هذه الشجاعة تتبدى في اجتماع لمجلس الأمن القومي عقد في مساء 30 أيلول (سبتمبر) 1973 برئاسة الرئيس وأركان الحكم والدولة في مصر. ويقول فيه الرئيس -وتطرقت إلى ذلك في كتابي «شاهد على الحرب والسلام» الصادر في تشرين الأول 2013- «إن القوات المسلحة المصرية قد جرى إعدادها على مدى الفترة من تشرين الأول 1972 إلى أيلول 1973 في شكل يتيح لها قدرات وإمكانات كبيرة للعمل العسكري، وإن الأمر يتطلب بالتالي أن نتخذ قرارنا بالمضي إلى المعركة المسلحة، وإن المطلوب من هذا الجيل من أبناء مصر أن يسلم الجيل المقبل من أبناء الوطن أوضاعاً مصرية مستقرة وبلداً غير محتلة أراضيه». وتطرق القائد العام للقوات المسلحة إلى الموقف قائلاً: «إن الظروف الحالية والعسكرية لا تمكن مصر أو تتيح لها تحرير كامل الأرض في ضربة واحدة شاملة، وأن أوضاع القوات المسلحة أصبحت مطمئنة، إلا أن الوقت والتطورات والدعم الأميركي لإسرائيل تؤشر إلى أن التطورات العسكرية قد لا تكون لمصلحتنا إذا ما انتظرنا كثيراً. وقال إنه يرصد أن الفارق بين الجيشين المصري والإسرائيلي «يزداد لمصلحة إسرائيل، ومن هنا يجب التحرك الفوري، والمؤكد هو أن العدو لن يكسب المعركة ضدنا». وهكذا اتخذ قرار الحرب وبشجاعة فائقة وفي التوقيت المناسب في مواجهة تحديات غير مسبوقة. 3- أما ما يتعلق بمفهوم المبادرة والمبادأة، فإنه، وإضافة إلى أن قرار العمل العسكري وفي الشكل الذي تمَّ يمثل في الحقيقة تجسيداً واضحاً لكل هذه المفاهيم كما أن الشق العملياتي يعكس هذه المفاهيم بوضوح كامل، فالظهور المفاجئ للوحدات البحرية المصرية وبقوة مناسبة في مدخل مضيق باب المندب يكشف الوعي الدقيق لتأثير القوة البحرية في الإطار الاستراتيجي العريض للعمل العسكري المصري. وأرسلت مصر في حينه رسالة محددة صارمة بأنه لا معنى لسيطرة إسرائيل على مضيق تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة طالما أن مصر تغلق البحر الأحمر وطرق الاقتراب من ميناء إيلات في وجه الملاحة الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى إسرائيل، ولم تخف هذه الرسالة عن إسرائيل وداعميها في الغرب. مفاجأة مذهلة 4- ولم يغب مفهوم الابتكار عن عقل المقاتل المصري وروحه. ولا شك في أن مدافع المياه، («الطلمبات» القوية العملاقة)، ساهمت في شكل محوري حاسم في فتح الثغرات في الساتر الترابي الركامي الصخري على جانب القناة، ما سمح للقوات بالعبور والوصول بقوة إلى الجانب الآخر من قناة السويس في وقت قصير لم يتح للعدو فرصة استخدام احتياطاته في العمق، ومثَّل ذلك مفاجأة مذهلة. 5- وأظهرت روح أكتوبر القوات الجوية المصرية في صورة رائعة من التصميم والعناد، وجاءت الضربة الجوية بتخطيط ممتاز ودرجة عالية من التصميم والدقة في التصدي للأهداف الاستراتيجية أو التكتيكية، كما أظهرت هذه الروح تصميم القوات الجوية على عدم السماح للعدو بتكرار ما فعل في 5 حزيران 1967 من ضرب مفاجئ للقواعد الجوية والمطارات. وكانـــت المقاتلات المصرية، وبأعداد وفيرة، متربّصة بالعدو عند اقترابه من الأهداف المصـــرية الحيوية أو المطارات والقواعد. وتمثــلت روح أكتوبر أيضاً في معنى التضحية والوفاء للوطن في أداء طياري الهليكوبتر المصريين الذين قاموا بنقل القـــوات الخاصة والمحمولة جواً إلى عمق سينــاء وبهدف قفل بعض الممرات الحيوية في مناطق المحور الجنوبي للجبهة أو توصــيل أفراد ووحدات الاستطلاع إلى عمق الجبهة، وبذا تمكين القوات المسلحة من رصـد تحركات العدو في شكل كامل، وفي توقيتات مناسبة تتيح للجيش الإعداد والمواجهة في إطار المعركة المستمرة والممتدة، وعلينا أن نقدر بكل احترام التكلفــة العاليــة التي تحملها الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في هذه العملية النوعية. 6- وتتبدى، مرة أخرى، روح أكتوبر في قتال الفرق الرئيسية للجيش في تدمير خط بارليف بكل حصونه، ثم الدفاع عن رأس الجسر لكل فرقة مشاة، ثم رأس الجسر المتكامل للجيش الثاني والثالث ضد هجمات شرسة، سواء من القوات البرية الإسرائيلية أو القوة الجوية للعدو والتي نازلتها وحدات الدفاع الجوي وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات وهزمتها شر هزيمة. كشف ذلك عن إرادة وتصميم وعناد ورغبة في القتال غير مسبوقة في التاريخ المصري. في هذا السياق أيضاً لا يجب السماح بالتحدث في شأن المعركة وعدم التصدي لجهود وتصميم وحدات المدرعات والمدفعية على كل المحاور أو وحدات القوات الخاصة التي دافعت عن المصاطب وجنوب طريق الإسماعيلية/ القاهرة في مقاومة الاختراق الإسرائيلي وهزيمته. هكذا كانت روح أكتوبر: التخطيط السليم، الشجاعة، التصميم، العناد، التضحية، المبادرة، الوفاء، والصفات الأخرى التي أظهرتها هذه الشخصية المصرية التي هي في الحقيقة في صلابة الغرانيت المصري الشهير. وتضمنت ملاحظاتي التي نشرتُها في كتاب «شاهد على الحرب والسلام» حول نهايات العمل المسلح قولي: «لقد حققت مصر، بعد ثلاثة أسابيع من القتال الممتد، هدفها من الحرب وفرضت على عدوها أوضاعاً استراتيجية جديدة، حتَّمت عليه التعامل مع حقائقها، وهو وجود قوات مسلحة مصرية قادرة وفاعلة على الجبهات والمحاور كافة، سواء على الأرض أو في البحر وأخيراً في الجو». 7- وتبقى نقطة أخيرة في هذا الشق المتعلق بـ «روح أكتوبر» وتؤشر إلى الحكمة التي أدارت بها القيادة السياسية والعسكرية المعركة في شقيها العسكري والديبلوماسي، سواء في قمة العمل العسكري في أكتوبر 1973 أو العمل الديبلوماسي في السنوات التالية وصولاً إلى تحرير كامل التراب الوطني المصري في سيناء في 26 نيسان (أبريل) 1982، ثم المعركة الديبلوماسية القانونية في شأن منطقة طابا التي استعيدت بالكامل عام 1987.