×
محافظة المنطقة الشرقية

وزيرة الصحة تبحث مع النائب داوود سبل تحسين الخدمات الصحية

صورة الخبر

لا يلام طلال مداح (1940 – 2000) بوصفه شخصية ثقافية اضطلع بأكثر من دور في المشهد الثقافي سواء في صناعة الأغنية وما يوازيها من أعمال رعاية المواهب والمتطلبات التسويقية والتجارية سواء من الشراكة في مؤسسات إنتاجها -الأسطوانات والكاسيت- ومباشرة إنتاج وكتابة برامج إذاعية وتلفزيونية لها عوض العروض الحية على مسارح عربية وأوروبية. عدا أن حضور مداح الذي كرسه مبكراً منذ عام 1958 جعله نموذجاً قوياً يتطلع إليه الكثير من المغنين والمغنيات فإنه المسؤول المباشر عن حجب أصوات مجايلة من أن تأخذ مكانها، مع الاعتبار إلى الظروف المختلفة وتباين الطموح الخاصة، مثل: جميل محمود وغازي علي وسعد إبراهيم وسواه.. يعد غازي علي نموذجاً طموحاً وخلاقاً في تجربته الثقافية التي لم تقف عند صناعة الأغنية فقط، بل ربط العملية التربوية والتثقيفية بمجالات أوسع حين يوثق صلاتها بالعلوم الروحية والتطبيقية. مولود المدنية المنورة والعائش في جدة انتقل إلى دراسة العلوم النظرية الموسيقية في مصر ولم يكن هناك غير مؤسسات تعليمية خاصة لأوروبيين وعرب شوام، وهو يشابه انتقال أحمد شيخ إلى تركيا لذلك السبب أوائل القرن العشرين، وحيث أنجز دراسته هناك في معهد صار اسمه في قائمة أولى دفعاته بين عامي 1960 – 1967 فإنه احترف الغناء والتلحين في القاهرة لعام 1968 قبل انتقاله إلى لندن 1969 -1976 لاستكمال دروس علم اليوغا "التأمل أو ضبط القوى الروحية والذهنية" وربطه بعالم الصوت والزمن. ومما يلفت بأن تجربته الثقافية انقسمت إلى مرحلتين ثريتين، فالأولى يمكن رصدها بمرحلة دراسته بين القاهرة ولندن 1960 – 1976 سبقتها البداية عندما لحن له طارق عبدالحكيم ثلاثة أعمال واتفاقه على تسجيل ألحانه لأغانٍ وقصائد في بيروت مع المنتج السعودي عبدالله حبيب صاحب توزيعات الشرق بحناجر لبنانية مثل فائزة أحمد وسعاد هاشم ووديع الصافي وسميرة توفيق قبل تعاونه مع الحناجر المصرية مثل محمد قنديل وماهر العطار وعلي الحجار.. ومن أولى تلك القصائد التي لحنها لصوت فائزة أحمد "شكوى" 1960 من شعر عبدالله الفيصل وأما ما سجله من تلحينه بصوته قصيدة "ليتها تعلم" 1965 من شعر محمد السديري. عدا أن في هذه المرحلة وضع لحنين ذائعين لطلال مداح، الأول كتبه ولحنه ليغنيه غازي علي "سلام لله يا هاجرنا" 1964 والثاني "أسمر حليوة" 1964 من كلمات طاهر زمخشري أعده للمطربة سلامة إلا أن منحهما لصوت مداح أخلدهما الذي أعاد تسجيلهما مرة أخرى عام 1985 وصدرا في مجموعة واحدة مع أغنيتين الأولى "زمان الصمت" -شعر بدر بن عبدالمحسن- والثانية "مين فتن بيني وبينك" من أعمال المغني والملحن فوزي محسون. وقد سجل غازي علي في هذه المرحلة أناشيده الحماسية التي كتبها ولحنها بنفسه وتحمل جماليات الجغرافيا والتاريخ الحجازي في مسقط رأسه ومعيشته ومهواه الديني والروحي وهي "في ربوع المدينة، شربة من زمزم" 1960 و"روابي قبا" 1963. وأما في المرحلة الثانية أي ما بين عامي 1977 حتى عام 1983 تسجيلاته الغنائية بصوته بينما استمرت ألحانه لحناجر سعودية مثل محمد عمر وعبدالله رشاد حتى عام 1990 ثم انه طبع مجموعة من مؤلفاته الموسيقية عام 2000 غير أن هذه المرحلة تابع في تطبيق علومه النظرية في علوم الصوت والزمن مع علوم ضبط القوى الروحية والذهنية التي أثمرت أصواتاً جميلة دربها على رأسها طلال سلامة وأسامة عبدالرحيم –الذي وضع له لحنين عام 1990- ووعد. وقد تجلى في ألحان هذه المرحلة التي تواصلت خارجة من ثوب المدرسة التلحينية التي دمج بها مرجعياته ما بين التراث الثقافي الحجازي والمصري والشامي بآثار مباشرة من أساتذته طارق عبدالحكيم ورياض السنباطي وفريد الأطرش نحو استخلاص شخصيته الغنائية والتلحينية التي مما لا شك في نموها واكتمالها يقارب ظهور منافسة شديدة بين الملحنين السعوديين في سبعينيات القرن العشرين مروا بذات الأمر مثل عمر كدرس وسامي إحسان وسراج عمر. على أنه تماشى مع الأغنية الشاعرية التي كرسها صوت طلال مداح بألحانه وألحان سراج عمر في أغنيتين "لو شفتها" 1977 لمحمد العبدالله الفيصل، و"الموعد المنسي" 1980 لبدر بن عبدالمحسن إلا أنه واصل شخصيته التلحينية والغنائية في نماذج رائعة مثل "هلي يا غيمة" 1978 و"وحشتيني" 1980 و"حسبي عليك" 1983.. لم يتوقف غازي علي من تسجيلات معظمها في تسعينيات القرن العشرين لمختارات من أعمال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وفيروز عدا أن بعض أفكار تلحينية وضعها لقصائد وموشحات من شعر الحلاج والبهاء زهير وعبدالرحيم البرعي.. إن تجربة غازي علي شهادة ثقافية على زمن استن فيه قوانين هواه دون سواه..