في أحد أكثر تعريفاتها الأنثربولوجية عموميةً، عُرّفِت الثقافة بواسطة البريطاني (رايموند ويليامز) بكلمتين: "أسلوب حياة". بكل بساطة: الزي الذي ترتديه، السيارة التي تستخدمها، الفريق الرياضي الذي تشجعه، الطعام الذي تتناوله والعمارة التي تسكنها، كل هذه الأشياء هي جزء من ثقافتك وموروثك الحضاري الذي تشترك بما يشبهه مع من حولك. من الغريب ألا تولي بعض الأمم اهتماما كبيرا للصناعات الثقافية (التي تعكس هويتها للعالم) مثل المسلسلات والراديو والإعلانات والموسيقى والكتب والمتاحف. والأغرب هو احتقار بعض الناس لهذه العلوم دون أن يضعوا في الحسبان أن كيانا مثل "ديزني" أو "هوليوود" جوهرهما العمل الإعلامي تقفان جنبا إلى جنب مع أكثر الشركات الصناعية ثراء على مستوى العالم كله. منذ القرن التاسع عشر والماركسيون ينادون بتسوية العلوم الفنية كالرسم والشعر بالعلوم الأخرى، لأن جميعها تنتهي بإنتاج ينفع الناس حتى وإن اختلفت طريقة المنفعة، إلا أنه في القرن الواحد والعشرين سوف يضطر الناس (إن لم يكن اضطروا فعلاً) إلى مساواة هذه المعارف الإبداعية بالأخرى العملية، بسبب التطور التكنولوجي في علوم الاتصال والتقنية، مما يضيف لثقلها المعرفي كينونة تجارية مربحة جداً. تقول الأرقام إن إيرادات الأفلام في أميركا وحدها بلغت العام الماضي 564 بليون دولار! ينقد كثير من الفلاسفة النظرة الاقتصادية/المالية للصناعات الثقافية، إذ يقر الفيلسوفان الألمانيان -باحثا مدرسة فرانكفورت في شيكاغو- (ماكس هوركيمير) وزميله (ثيودور ادورنو) إلى جانب الهيغليين؛ بأن المنتجات الثقافية كالمسلسلات والأفلام والموسيقى والكتب والبرامج التلفزيونية ينبغي أن تكون أدوات لتطوير حياة الشعوب ونقد مشكلاتهم، إلا أنها برأيهم "تفقد فائدتها الجوهرية هذه حين يتم تسليعها بجعلها تُباع وتُشترى".. فيجادلهم رهط من الفلاسفة الأوروبيين المعارضين لهذا الاتهام بردود جارفة، أهمها وآخرها هو رد (برنارد مياج) والذي قال فيه: إن التكنولوجيا أضافت إلى الفن ما لم يضفه له أي شيء آخر، وزادته إثراء وإبداعا وجعلت الوصول له أسرع، وبالتالي شعبية أكبر. بعد أن تجاوز الغرب نظرتهم النمطية للإعلام كإذاعة وصحافة إلى ما هو أوسع وأشمل؛ ظهرت كثير من المناظرات وإحداها حول "تسليع" المنتج الإعلامي أو عدم تسليعه إلى جانب استهداف شريحة ضيقة من المجتمع كمشاهدين، والخطر الربحي في حال لم يتقبل الجمهور العمل. ومن يدري لعل هذا الحراك المستمر والمتجدد هو سبب محافظة إعلامهم على قيمته الاقتصادية حتى بعد ظهور الإنترنت.