بعد الحديث في إسرائيل عن اعتقال ثلاثة مستوطنين يشتبه فيهم بحرق أسرة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، في يوليو/تموز الماضي، يؤكد الأقارب أن ذلك لا يواسيهم ويشككون بنزاهة المحكمة. الجزيرة نت زارت الابن أحمد دوابشة (خمس سنوات) واطلعت على محنة الحفيد والجدين من جهة والدته، وأصغت لبعض ما باحا به من هموم ما زالت ثقيلة. وأثقل هذه الهموم خضوع أحمد لعمليات جراحية متتالية في مستشفى تل هشومير الإسرائيلي تلحق وجعا كبيرا به وبجده وجدته. ويؤكد الجد حسين دوابشة أن قلبه يكتوي كل يوم بما خلفته جريمة المستوطنين، لكنه يقول إنه يحرص على البقاء متماسكا وقويا، من أجل أحمد على الأقل بعدما "صرت له أبا وجدا وأخا". رحلة شاقة وهي حالة قاسية حقا تحتاج لطاقات كبيرة، فالجد لا يبرح الطفل الذي أتت النار على ثلثي جسده الغض والذي يتماثل للشفاء ببطء، كما لو كانت رحلة جبلية شاقة لهما معا. ريهام والدة أحمد استشهدت قبل ثلاثة أشهر لتلحق بزوجها وطفلها الرضيع علي (الجزيرة) أحمد صاحب الابتسامة الساحرة التي تعكس تشبثه بالحياة، يتماثل للشفاء منذ أيام بعد خضوعه لعملية سادسة، بهدف تسريع عملية تأهيله. ويبدو أن مكوثه مدة طويلة داخل غرفته وكثرة الزوار الغرباء قد بعثا فيه الشعور بالملل والضيق، وتحاول بعض الممرضات والأخصائيات النفسيات الترويح عنه بألعاب تزدحم بها غرفته. يحلم برونالدو ويقول جده إن أحمد كان ينتظر -حتى العملية الجراحية الأخيرة- حلول الساعة الرابعة عصرا التي يسمح له فيها بالتنزه في ساحة المستشفى، لاهيا بمركبته الصغيرة التي تلقاها هدية من تلفزيون فلسطين. ولا تقتصر أحلام أحمد على اللهو بمركبة صغيرة بل يبدي يوميا لهفته للقاء نجم كرة القدم العالمي رونالدو الذي يحتفظ بصورة كبيرة له داخل غرفته. وتبكي جدته من جهة والدته، الحاجة أم حسن، لمجرد سؤالها عما خطر ببالها فور سماعها عن اعتقال السلطات الإسرائيلية ثلاثة مستوطنين يشتبه في ارتكابهم جريمة حرق أسرة ابنتها رهام وزوجها سعد وطفلها علي دوابشة. دموع لا تكفكف وتتابع "ربنا يحرق قلوب المجرمين، لكن اعتقالهم لا يعزيني ويكاد لا يخفف عني لأن اعتقالهم لن يعيد لي أعزائي". تروي الجدة أن أحمد يصحو من كوابيسيسأل فيها: لماذا أحرقوني؟ (الجزيرة) وتمسح دمعتها وهي تؤكد ما يقوله الجد أبو حسن بأن النار التي أشعلها المجرمون تكويها كل يوم لا سيما عندما ينتهي مفعول الدواء المخدر، فتداهم أحمد موجة من الأوجاع. وتروي الجدة التي لم تبرح غرفة أحمد منذ وقوع الجريمة إلا يوم شاركت بتشييع جثمان والدته "بالليلة الفائتة استيقظنا على صوت أحمد وهو يتساءل بالمنام لماذا أحرقوني؟ وما لبث أن استيقظ من الكابوس باكيا وعندها بكينا معه ولم نتمكن من إغماض عيوننا طيلة الليل". لكن زيارات الفلسطينيين خاصة من داخل الخط الأخضر كل نهار تخفف عن الجدين الملازمين للحفيد، فتشكر الجدة رب العالمين وتقول إنه يبعث لها كل يوم زوارا يبددون الشعور بالغربة داخل المستشفى الإسرائيلي. ويتزايد عدد الزائرين والصحفيين والسياسيين لأحمد دوابشة منذ الكشف عن اعتقال مشتبه فيهم بتنفيذ جريمة الحرق. لكن ذلك لا يخفف عن الجد معاناته بل بالعكس فهو يتحسب كيف سيضطر لمواجهة القتلة في أروقة المحاكم، ويرى أن المشكلة الحقيقية تكمن في الاحتلال الذي يوفر الغطاء لكل الجرائم بحق الفلسطينيين. محنة أبو خضير ومما يزيد مخاوفه ما سمعه من والد الطفل المقدسي المغدور به محمد أبو خضير الذي أحرقه مستوطنون حتى الموت، بأنه كلما شاهدهم بالمحكمة أحس بطعنة سكين بقلبه. ويضيف "لن يرضيني أي حكم حتى الإعدام، فهو لا يعيد لي ابنتي المدللة التي ربيتها بدموع العين، وقتلت وزوجها وولدها دون أي ذنب وهي في عز نومها داخل بيتها". ومما يؤرق الجد والجدة أيضا قدوم ذاك اليوم الذي سيضطران فيه لإبلاغ أحمد بقتل كل أسرته. ويشير أبو حسن إلى أن خبراء نفسيين يستعدون لكشف الحقيقة له قريبا. وعن ذلك تقول أم حسن "مجرد التفكير بذلك يحرق قلبي مجددا".