هي إشكالية في تقديري لن يكون السبيل لمعالجتها سهلاً. فهي ترتبط في تشكلها ومن ثم بروزها بصورتها الإيجابية المنشودة بقضايا أخرى، هي أيضاً في أمس الحاجة للحل. الأمر الذي يجعلها الشغل الشاغل لعديد من المفكرين وأصحاب الرؤى. إذ إن أهميتها تكمن في أن تطور الخدمة النوعية والأداء الأمثل لعديد من مؤسسات الدولة المدنية قائم في الأساس عليها وأعني بها ثقافة (الانتخاب) الإيجابي. فلعقود كانت أصوات النخب الثقافية تعلو بين آن وآخر، وعبر عديد من المنابر الإعلامية بضرورة زيادة مساحة المشاركة الشعبية من خلال تطبيق آلية الانتخاب لعضوية عديد من الهيئات واللجان الثقافية والخدمية. فسعت الحكومة لتحقيق ذلك وفق رؤية اتسمت بالبعد العقلي والإيجابية في الإعداد والتنظيم والتدرج في المشاركة من خلال اعتماد جزء يكون اختياره بالانتخاب وآخر بالتعيين وتمثل ذلك في انتخابات المجالس البلدية أو في الانتخاب الكامل، كما هو جار في انتخابات الأندية الأدبية. إلا أن المفارقة المخجلة والأمر الذي كان يبعث على الحيرة هو بروز سياسة (التزبيط) وعقد التحالفات الثنائية وراء الكواليس بحيث أضحى ذلك ديدن أغلب المرشحين. ولو سلَّمنا جدلاً بأن مثل هذه التصرفات ينبغي أن تكون غير مستغربة من المرشحين للمجالس البلدية، ومرشحي الغرف التجارية ممن أثروا عقب مرحلة الطفرة الأولى، حيث كان مفهوم التعليم النظامي وحاجة الأفراد إليه لا تشكِّل اهتماماً لغالبية رجال الأعمال هؤلاء. إلا أن الأمر الذي لا يمكن استيعابه أن تنتشر الاتفاقات السرية وعقد التحالفات المبيتة بين من ترشحوا لمجالس إدارات النوادي الأدبية الذين كانوا من المفترض أن يمثلوا نخب المجتمع والتشكيل التنويري فيه. الأمر الذي رجَّح كفة الرأي الذي ينادي (بالإصلاح المتأني والمتدرج) ويراه أنه السبيل الأنجح. فالناخب لدينا لم يصل بعد لمرحلة النضج الفكري التي تجعله قادراً على بلورة فكرة اختيار المرشح الملائم وكذلك استيعاب مفهوم الانتخاب وفكرة المشاركة الشعبية في اختيار الأفراد المؤهلين والملائمين لعضوية عديد من الهيئات والنقابات الخدمية وتحقيق الأهداف المنشودة من ذلك. إذ إن مفهوم العائلة لا يزال هو السائد على التفكير الجمعي لدينا، وهو الأمر الذي يتجلى في تشكيل كل عائلة (تكتل داعم) للمرشح المنتمي إليها بغض النظر عن صلاحيته لهذا العمل من عدمه، فالمهم هو أن يفوز مرشحهم أمام المرشح المنافس، بعيداً عن مدى ملاءمة المرشح المنافس لهذا المنصب ومدى تأهيله الأكاديمي أو صلاحه الأخلاقي. فالجميع قد رفع شعار (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وأبن عمي على الغريب). وهذا الأمر قد تجلى تحديداً في انتخابات المجالس البلدية. كما أن المصالح الشخصية والفئوية الضيقة والعلاقات الشخصية كانت هي سيدة المشهد في انتخابات بعض الأندية الأدبية. بل إن من نجح منهم في هذه الانتخابات قد جوبه بسياسة (الاصطفاف) من قبل غرمائه الذي لم يتمكنوا من الترشح لمجالس إدارات هذه الأندية فبدأت عمليات التراشق والتلاسن عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي ساهم لاحقا في تفشي الخلافات وتوقف عجلة الحراك الثقافي في بعض هذه الأندية بل إن بعض هذه الخلافات قد وصل لأروقة المحاكم. الحل: الحل يكمن في التعليم الذي جل تركيزه هو التحصيل المعرفي فقط، في حين أنه يغفل أهمية التربية وهي صنو في أهميتها للتعليم، فمن خلال التربية الممنهجة والقائمة على التخطيط السليم لتحقيق أهداف بعينها نستطيع حل كثير من الإشكالات والقضايا الاجتماعية التي نرفع عقيرتنا بالشكوى منها ليل نهار فمتى ما تمكن التعليم من إعادة تشكيل البنى الفكرية للفرد والفكر النوعي له أيضاً، بحيث يكون متوافقاً مع احتياجات ومتطلبات التنمية في المرحلة القادمة كلما استطعنا أن نراهن على أن الجيل القادم سيكون أكثر وعياً وأكثر فاعلية في تقديم الصالح العام وعدم الانجراف وراء التغريرات والنداءات الفئوية لأفراد بعينهم فجيل قد ربي على احترام قيادته وعشق وطنه ومحبة مواطنيه وتقديم الصالح العام هو الجيل الأولى بالتغيير المنشود في المراحل المستقبلية من عمر دولتنا المديد بإذن الله. وقد يقول قائل إن هذا الحل المقترح لتعزيز ثقافة الانتخاب الإيجابي سيؤتي ثماره لاحقاً فهو أمر متعلق بالأجيال القادمة، فماذا بشأن الجيل الحالي. والإجابة هي أن الحل في إعادة تثقيف الأجيال الحالية يكمن في توظيف الإعلام، كما أن الحل يكمن أيضاً في المعين التربوي الأول للمواطن السعودي وأعني به المؤسسة الدينية ممثلة بالمسجد ومراكز الوعظ الأخرى. ومن هنا ستتزامن هذه الثقافة الإيجابية للانتخاب مع مشروع خادم الحرمين للإصلاح وصولاً لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية مستقبلا في عديد من مؤسسات المجتمع المدني.