×
محافظة الرياض

تركي الفيصل: بندر.. وسيم الروح والمحيا

صورة الخبر

قال فضيلة الشيخ عبد الله السادة: إن لكل امرئ خاتمة، ولكل حي نهاية، وإنه يا شقاء من كانت خاتمته إلى سوء وعذاب، ويا سعادة من كانت خاتمته إلى هدى وصواب، وأتاه أمر الله وهو في تعظيم لله واستبشار، وفي شوق لأن يلحق المتقين الأبرار. وبيّن في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد مريم بنت عبد الله بالدفنة بأنه حين حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة قال: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا، لكري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحر الشديد، ولمزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر". وذكر فضيلته أنه لما نزل بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الموت، قيل له: ألا توصي؟ فقال: "اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك، فما وراءك مذهبٌ، وقال: هو الموت لا منجى من الموت والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع. وأشار الخطيب إلى قول بكر بن سليمان الصواف في شأن الموت أيضًا: دخلنا على مالك -رحمه الله- في العشية التي قبض فيها فقلنا: يا أبا عبد الله كيف تجدك؟، قال: "ما أدري ما أقول لكم إلا إنكم ستعاينون غدًا من عبد الله ما لم يكن لكم في حساب" قال: ما برحنا حتى أغمضناه. ولفت إلى قول عبد الله بن أحمد بن حنبل - رحمهما الله في شأن الموت كذلك -: "لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده، فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه، ويقول بيده: لا. بعد، لا. بعد، ثلاث مرات، ففعل هذا مرة ثانية وثالثة، فلما كانت الثالثة، قلت له: يا أبت إنك قلت كذا وكذا، فقال: ما تدري، هذا إبليس قائمٌ حذائي عاضٌ على أنامله، يقول: فتني يا أحمد، وأنا أقول: لا بعد حتى أموت". أسباب الثبات وتحدّث الشيخ السادة عن الأسباب التي تعين المسلم على الثبات حين يأتيه الموت فقال: ما أحوج المرء، وهو يعيش زمان الغربة، لأن يتعرّف على أسباب الثبات، التي تثبّته على دين الله حتى الممات، ويتأكد ذلك عند فساد الزمان، وندرة الإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر مؤكدًا أن الهداية والثبات مردهما إلى القلب الذي هو أكثر الجوارح تقلبًا. ولفت الخطيب إلى قول المقداد بن الأسود في الحكم على الناس بالصلاح أو غيره: لا أقول في رجل خيرًا ولا شرًا حتى أنظر ما يختم له، بعد شيء سمعته من رسول الله قيل وما سمعت؟ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: "لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَ غَلَيَانًا". وعن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ، إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ". وسرد خطيب مسجد مريم بنت عبدالله عددًا من النصائح التي من شأنها أن تثبت المسلم على الحق، وتجلب له محبة الخلق، مشيرًا إلى أن من أول هذه الأسباب وأهمها: الاعتصام بالكتاب والسنة، مؤكدًا أنهما نورٌ وضّاءٌ يهتدي به أولو الألباب، وقال إنه ما فتئ المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو أمته للتمسّك بهما والرجوع إليهما، حتى وافاه اليقين، وفي الحديث "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ" أخرجه مسلمٌ. وعن العرباض بن سارية، رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". الالتزام بالوحيين وشدّد الخطيب على أنه كلما كان التزام الأمة بالوحيين قويًا، كان ثباتها على الحق أقوى، وكلما هجر القرآن واندرست السنة، كان ذلك داعيًا للانحراف وباعثًا للضلال. وأكد أن من أسباب الثبات كذلك: استدامة الطاعات: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" فصلت:30. ونوه إلى أن هذا وعد من الله أن يحفظ الملتزمين بطاعته، وهو أمر عزيز ليس بالهيّن، يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة:"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا"النساء:66، ويقول سبحانه: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء" إبراهيم:27، قال قتادة: "أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح وفي الآخرة في القبر". الكسالى والمفرّطون وحذّر الكسالى والمفرّطين، والذين يقدمون على الطاعة حينًا، ويتهاونون فيها حينًا آخر، بأنهم على خطر، متسائلاً: وهل يضمنون لأنفسهم ألا تخترمهم المنية في حال تفريطهم، فيختم لهم بسوء الخاتمة؟، مشيرًا إلى الحديث الذي روته عائشة - رضي الله عنها، حيث قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرٌ، وكان يحتجره بالليل، فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي فيصلّون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: "يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل". وواصل الشيخ السادة سرده لأسباب الثبات على دين الله، مشيرًا إلى أن من بينها الدعاء والإلحاح على الله بالثبات، وقال: إن الدعاء يكون سببًا للهداية أصلاً، ويكون عاملاً للثبات ثانيًا، والقلوب كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهي أوعية الهداية، وبها قد تكون الغواية، ففي الحديث: "ما من آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يزيغه أزاغه، وإن شاء أن يقيمه أقامه، وكل يوم الميزان بيد الله، يرفع أقوامًا، ويمنع آخرين إلى يوم القيامة " أخرجه الطبراني، وذكر أنه ثبت في الحديث الصحيح أن أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم "يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فقيل له في ذاك؟ قال: "إنه ليس آدميٌ إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ"، كما كانت أكثر أيمانه: "لا ومصرف القلوب". الإلحاح في الدعاء ونصح الخطيب بالإلحاح على الله في الدعاء، لا سيما في أوقات الإجابة، وقال: إن من أسباب الثبات على الحق كذلك ذكر الله تعالى، داعيًا إلى تأمّل كيف قرن الله سبحانه بين الذكر والثبات في آية واحدة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الأنفال:45. ونوه إلى أن من أسباب الثبات كذلك: عدم الاغترار بالباطل وكثرة المبطلين، كما قال سبحانه: "لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ" آل عمران196-197، ويقول سـبحانه: " الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" الرعد:17. ومنها أيضًا: التحلي بالأخلاق المعينة على الثبات، وفي مقدّمتها: الصبر والتقوى، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" آل عمران:200، ويقول سبحانه "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" العصر:1-3، وفي الحديث: "وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر".