×
محافظة المنطقة الشرقية

حروب افتراضيّة عربيّة - عربيّة عن إرهاب «داعش» في باريس

صورة الخبر

شكل مفهوم النصر في المعارك وتحقيق الفكرة العادلة أحد الشواغل اللافتة في الفن التشكيلي، فلم تتوقف معالجات الفنان في اللوحة والمنحوتة عند الشكل البشري والطبيعة الصامتة، وكل ما يظهر من اشتغال على الوجود الإنساني وحسب، وإنما انفتحت التجارب الفنية على حالة من الاستجابة لراهن المتغيرات في بلدانها فكانت الحرب وما يتعلق بها مشروعاً بصرياً غنياً لتقديم الإنساني والجمالي. انكشف هذا في تجارب الكثير من الفنانين العالميين والعرب، فتحولت مجاميع الجنود العائدين من الحرب منتصرين إلى ثيمة عالمية لتجسيد الحرب، وتحولت رايات البلدان إلى رموز مرفوعة في تشخيص عزة البلدان وصلابة جيوشها، إذ يزخر تاريخ التشكيل العالمي بأعمال خالدة رسمت تلك الصور، منها لوحة الحرية تقود الشعب الشهيرة ليوجين دولاكروا، التي يصور فيها امرأة تحمل العلم وتقود النصر في الثورة الفرنسية. لذلك يمكن التساؤل حول قدرة اللوحة على الاستجابة لراهن البلدان التي تنتمي إليها، ومهمة الفنان في دعم مشروع العدالة والنصر الذي تقوده بلادها، وهل يمكن أن تصبح اللوحة أو المنحوتة مساحة مشرعة أمام مشاعر الناس وليس الفنان وحده، وإن كان يمكن فما هي مهمة الفنان وما هو دور عمله في حشد وتكريس مشاعر أبناء وطنه، خاصة ونحن نعيش أجواء الاحتفال بعودة مظفرة لجنودنا الأشاوس من اليمن. حول ذلك يقول الفنان عبدالرحيم سالم إن مفهوم النصر في التشكيل ليس جديداً ويعود في تاريخه إلى بدايات الحضارة الإنسانية إذ شيد الإغريق والرومان معالم معمارية كبيرة في تجسيد النصر، ونحت الرومان سيرة معاركهم على الجدران وفي الأبنية والمسارح، إضافة إلى أن الفراعنة كانوا يوثقون انتصاراتهم، وظلت حتى اليوم تحمل بعدا جماليا رغم أنها كانت بداعي التوثيق. ويضيف أن ذلك امتد حتى حروب أوروبا الكبيرة، ففي الوقت الذي كان الجنود فيه يحملون سلاحهم في ساحة المعركة، كان الفنان التشكيلي يحمل فرشاته وألوانه، والنحات يحمل إزميله ومطرقته، حيث بتنا اليوم أمام أعمال تشكيلية خالدة مثل عمود النصر في برلين الذي صممه هاينريش ستراك بعد 1864 تخليداً لذكرى الانتصار البروسي في الحرب البروسية الدنماركية، وأعمال فرانسوا رود الذي يعد من أشهر ممثلي النحت الابداعي ومن أشهر أعماله لوحةذهاب الثائرينالمنفذة على قوس النصر في باريس. ويعتبر سالم أن ذلك ظهر أيضاً في الساحة الثقافية العربية، فحرب أكتوبر التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973 تحولت إلى صيغة بصرية غنية فتحت باباً من التحول تجاه الكثير من القضايا التي شغلت الفنان المصري خاصة بعد نكسة 67، إذ انشغل الكثير من الفنانين بموضوع النصر إلى حد بعيد حتى باتت الكثير من التكوينات التي ظهرت في اشتغاله على الحرب جزءاً من تجربته التشكيلية، وظهر هذا على صعيد اللون، والشكل. ويرى الفنان د. محمد يوسف أن مفهوم النصر ارتبط في الحرب بصورة أساسية، فلا عجب أن نجد اشتغالاً على حلم النصر في تجارب الفنانين الفلسطينيين أو المصريين أو العراقيين، مقابل اشتغال طفيف في تجربة الخليج العربي والإمارات، فالفنان ابن المناخ الذي يعيش فيه، ولا يمكن لفنان أن يظل مشغولاً بالنصر والمعارك وهو يعيش في بيئة آمنة خالية من الحروب. ويلفت إلى أنه رغم ذلك كان الفنان الإماراتي في حالة استجابة واضحة لما يجري من متغيرات في البلدان العربية، من هنا يمكن تلمس ثيمة النصر بكل مستوياتها وآليات معالجتها في الحركة التشكيلية والإبداعية الإماراتية، فالكثير من الفنانين توقف عند هذا الموضوع، وقدم الفنان حسين شريف عدداً من البوسترات التي تمضي في هذا المسار، إضافة إلى ما نشهده اليوم من أعمال فنية تعالج عودة جنود الدولة من معركتهم في اليمن، فالكثير من التجارب التشكيلية الإماراتية الشابة انشغلت بما يجري وطرح عدد من الأعمال الفنية التي يتم تداولها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي. ويبين يوسف أن الحديث عن انشغال الفنان بمفهوم النصر، والامتثال له جمالياً يشكل واحدة من مهام العمل الفني والفنان نفسه، إذ في كثير من الأحيان على الفنان أن يخرج من مساره الذاتي، ويذهب نحو العام والجمعي، ليحقق الاستجابة الحاشدة لهذه المتغيرات التي تؤكد حياة الفن ودوره في كل ما يجري من تحولات في بلاده. ويربط الفنان حسين شريف بين ثيمة النصر في العمل الفني التشكيلي وقدرة الفنان على الخروج من ذاته إلى مستوى أوسع يتمثل في صوت الجماهير الحاشدة ويقول: النصر حالة فرح عامة تتشكل في المجتمعات، وتظهر تجلياتها على المستويات كافة، إذ يقف لها الشاعر، والكاتب، والإعلامي، والفنان، وتصبح هي المادة التي يوثق فيها اللحظة ويحشد فيها مشاعر بلاده وأهله. ويوضح أن معالجة النصر في العمل الفني عربياً وعالمياً تشكلت في مسارين الأول هو العمل الفني التشكيلي الأصيل الذي ينطلق من تجربة ومعايشة موضوع متكامل يعمل عليه الفنان في محاولة منه لرصد الإنساني والوجودي في هذه التجربة كما حدث مع الكثير من التجارب التشكيلية في الفن الغربي خلال الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، حيث أفرزت تلك التجربة العديد من الأعمال التي تنصب في هذا الجانب، وكذلك الحال عند الحديث عن تجربة عرب مثل الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط الذي رسم حلم النصر وأخلص له بكل محموله الثقافي العربي والفلسطيني، حتى صار علامة فارقة في تاريخ التشكيل العربي، لا يمكن الحديث عن التشكيل عربياً من دون الوقوف عند تجربته اللافتة. ويضيف: مقابل هذا المسار الغني والعميق، يتشكل مسار آخر يمكن وصفه بالفن الإعلامي، الذي يمضي في سياق تنفيذ البوسترات، والملصقات التي تتغنى بتجربة النصر، وغالباً ما يتم الاستناد في ذلك على علامات ورموز يمكنها أن تكثف مفكرة الحرب والنصر بأكملها، وتتمثل هذه العناصر في الراية، أو العلم، وصورة الجندي المقاتل، فلا يمكن الحديث عن بوسترات النصر والفخر بالوطن من دون الالتفات إلى هاتين العلامتين. ويبين أن ذلك لا يعد استسهالاً من المصممين وفناني البوستر، وإنما هو حالة تشكيلية يتحول فيها الشكل إلى رمز، ويصبح علامة ولغة يمكنها أن تروي نصاً بصرياً طويلاً لموضوع البطولة، والنص، والمعركة، فما هو التكوين الذي يمكن أن يختزل الحرب والنصر أكثر من الجندي الذي يحمل سلاحه، وما أكثر علامة يمكنها أن تشير إلى الوطن أكثر من العلم. ويؤكد الفنان ناصر عبدالله على هذه الفكرة، مشيراً إلى أن ذلك لا يتشكل نتيجة قدرة الفنان على رسم تكوين الجندي والعلم ليلخص تلك الحالة وحسب، وإنما يتشكل أيضاً في مساق آخر يمكن الحديث عنه طويلاً، وهو ارتباط النصر بمفهوم إنساني يكاد يكون واحداً في مختلف الثقافات، وهذا ما يمكن تلمسه عند الرجوع إلى الأعمال التي تناولت الثورة الفرنسية، أو تلك الأعمال التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، أو حتى الحروب التي خاضتها أمريكا، وصولاً إلى مجمل الحروب التي خاضتها المنطقة العربية. ويبين أن مخيال الفنان وقدرته يشكلان دوراً مهماً في هذا الجانب، ففي الوقت الذي يذهب بعض الفنانين إلى المجاميع البشرية العائدة من المعركة، يختار فنان آخر ربما صورة زهرة في أول النمو، في إشارة عميقة نحو الحياة الجديدة والنصر على أشكال الظلامية والموت، وهذا ما يجعل التشكيل واللوحة بصيغة أدق وفضاء واسعا مفتوحا أمام مختلف أشكال التعبير. ويشير عبدالله إلى أن الباحث في التجربة التشكيلية الإماراتية لا يجد الكثير من الأعمال التي تتناول النصر في المعارك، لأسباب عديدة منها، أن الإمارات لها تاريخ من الأمن والحصانة والقوة، فلم تخض حروباً على أرضها منذ انتهت من الاحتلال البريطاني، وكان الفنان الإماراتي صاحب التجربة المكرسة مشغولاً بالعديد من القضايا التي يعايشها وتشكل ذاته وهويته، وغيرها من الأسباب. ويقول: رغم كل ذلك استجاب بعض الفنانين إلى هذه الحالة من خلال امتدادهم الوجداني العربي، فشكلت النكسة، وحرب أكتوبر، وحرب الكويت، وغيرها من الحروب مساحة للمعالجة تشكيليا بالنسبة إليهم، أما اليوم وبعد عودة جنودنا من نصر اليمن، فإنه سيكون لذلك أثر كبير على التجارب التشكيلية الإماراتية. ويرى الفنان عبيد سرور أن الوقوف عند مفهوم النصر ومتابعة سيرته بصرياً أحد واجبات الفنان، إذ لا يمكن للفنان أن يكون معزولاً ذهنياً ووجدانياً عن بلاده وما يجري فيها، وهذا ما أكدته الكثير من التجارب التشكيلية عبر تاريخ اللوحة والمنحوتة والصورة، فلم يكن الفنان يوماً بمعزل عما يجري في بلاده. ويوضح أن فكرة النصر في المعارك وعودة جنود البلاد منصورين فكرة، غنية على الصعيد الجمالي، وتدفع الفنان إلى اللوحة بقدر كبير من الفخر والعزة، فمثلما يقف الشاعر يكتب أغاني الفخر التي تحتفي بالنصر، يقف الفنان بكامل جهده الجمالي يؤكد النصر ويتغنى به في اللوحة، أو المنحوتة، أو حتى الصورة والبوستر. ويتوقف سرور عند عودة جنود الإمارات من اليمن منتصرين، بقوله: ما من شك أن الجنود الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم دفاعاً عن أمن البلاد وعزة دينها، علامات فارقة في تاريخ الإمارات ويحملون من الغنى الجمالي والمشاعر ما يفيض على اللوحة، فليس غريباً أن تتحول قصة نصرهم إلى مشاريع تشكيلية جمالية خلال الفترات القليلة المقبلة. وتستعرض الفنانة فاطمة المنصوري العلاقة التي تربط الفنان بمختلف قضايا وطنه، بقولها: ربما يرى فريق من الفنانين والمنظرين أن الفن ينصب في الغرض الجمالي الكامل وحين يدخل في بنائه الجانب الوظيفي يخرج عن مساره الإبداعي، إلا أنه مقابل هذا الرأي هناك من يرى أن الفن لم يتحول عن كونه حالة استجابة لما يجري في راهن الفنان، وما نصر بلاد الفنان إلا حالة فارقة قادرة أن تدفع به نحو اللوحة والعمل الفني. وتضيف: إن المجتمعات في مثل هذه المناسبات تحتاج إلى كل ما يعبر عن مشاعرها، ويوثق سيرة عزتها، فلا عجب أن تلجأ إلى اللوحة، والأغنية، والقصيدة، التي تقول مشاعرها نيابة عنها، وهذا ما يفعله دور الفنان التشكيلي ويؤكد حضوره الجمعي وأثره في المجتمعات. وتلفت إلى أن النصر شكل ملمحاً في التجارب التشكيلية العالمية والعربية، وظهرت فيه الكثير من الأعمال الخالدة التي لا يمكن تجاوزها في هذا السياق، معتبرة أن الفنان التشكيلي الإماراتي كل ما يحتاج إليه اليوم هو مساحة رحبة وفترة زمنية تعتمل خلالها الأفكار في ذهنه حتى نرى صورة النصر ظاهرة في الأعمال التشكيلية المحلية.