بين التلال الجرداء في ريف الرقّة كاد الصحافي الفرنسي نيكولا هينان أن يكون أول رهينة تركع بلباسها البرتقالي أمام جلاد يضع السكين على عنقها متوعّدا الدول الغربية، قبل أن يقطع رأسها ويتمّ تصويره بإخراج متقن يصدم الرأي العام العربي والغربي في آن. لكنّ الصحافي الأميركي جيمس فولي زميله في زنزانة «داعش» كان صاحب الحظّ العاثر، فصار أوّل صحافي غربي يعدمه التنظيم الإرهابي بقطع الرأس. أثناء اختطافه من مهمّته الصحافية، تعرّف هينان -والد الطفلين- إلى «داعش» وعناصرها، بين يونيو 2013 وأبريل 2014، أضاف هينان إلى سجلّه المهني كخبير في العراق وسورية وملمّ بلغة الضاد صفة جديدة «متخصص بشؤون داعش» التي عايش استيلاءها على الموصل وتأسيسها «خلافة» على قياسها وصلت إلى الرقّة. نظام بشار "بائد" في العاصمة اللبنانية بيروت، وعلى هامش معرض الكتاب الفرنسي في مجمّع "البيال" التقت "الرياض" هينان، الذي وقّع كتابه المترجم إلى العربية "أكاديمية الجهاد". حيث أبى هينان في كتابه الصادر عن دار "أسود وأبيض" والذي بدأ توزيعه في البلدان العربية سرد وقائع احتجازه بالرغم من مخزون الألم والقهر الذي تختزنه، ورفض استجلاب العطف الشعبي، وهو المحرّر من زنزانة أعتى التنظيمات الإرهابية في القرن ال21. لقد ركّز على الأسباب الجيو-سياسية للنزاع، فاعتبر "داعش" نتاج إهمال دولي للشعب السوري، وثمرة التركيز على الأمن الغربي وكيل الغرب بمكيالين في قضايا الشرق الأوسط. وينتقد هينان الغرب بجرأة معتبراً بأنه "يقارب الأزمة السورية من وجهة نظر أمنية فحسب وهو المهووس خاصة بأمن إسرائيل"، كما يوجه في مقابلته مع "الرياض" نقداً قاسياً لنظام بشار الأسد ويصفه بأنه "بائد" ويدعو الدول الغربية إلى إقامة تحالف ضدّ النظام أيضا وليس ضدّ "داعش" فحسب. ولعل هينان يستمد الجرأة اللامتناهية من أشهر صعبة أمضاها في أقبية "داعش"، حيث قارن بين حضارات عرفها في العراق وسورية وتنوّراً اكتشفه في ملمحة "غلغامش" وبين ظلاميّة من يسمّيه "الخليفة البغدادي الذميم". يقدّم هينان نفسه للجمهور العربي ك"غربي" يصحح للعرب أفكار الغرب الخاطئة، وهو وجّه لهذا الغرب الذي ينتمي إليه تحذيراً شديد اللهجة قائلا: "إن العراق وسورية هما مهد حضارتنا، إنها جذورنا التي تتدمّر في هذه الحرب.. والله إنْ إنهارَ هذا العالم فسينهار عالمنا".. وفي ما يأتي نصّ الحوار: العودة الى سورية * هل من المحتمل أن تعود إلى سورية بمهمّة صحافية جديدة؟ - إذا أخبرت زوجتي بأنني سأعاود السفر إلى سورية فإنها ستقطعني إربا وستعرض شريط "الفيديو" على شبكة "يوتيوب"! * لم تتطرّق إلى معاناتك الإنسانية في "أكاديميّة الجهاد"؟ غالباً ما يهتمّ القراء بالتجربة الإنسانية فهل تألمت إلى هذا القدر؟ - نعم، بالطبع لقد تألّمت كثيرا.. لكنّني لو كرّست كتابي لمعاناتي أثناء الاعتقال لكنت تنكّرت لخطابي، ليس ألمي أمرا مهمّا مقارنة بمعاناة الشعب السوري اليومية، لا أريد أن أكون منافقاً، فالتهديد الإرهابي الذي يرعبنا في الغرب لا يستهدفنا نحن بالدرجة الأولى بل يضرب السوريين، السوريون الذين قتلهم إرهابيون فرنسيون هم أكثر بكثير من عدد الفرنسيين الذين قتلوا على يد إرهابيين سوريين، ثمة مئات من المدنيين السوريين الذين قتلوا على يد إرهابيين فرنسيين ولا يوجد فرنسي واحد قتل على يد إرهابي سوري. مرحلة قاسية * كيف أمضت عائلتك فترة اعتقالك من قبل "داعش" قرابة العام؟ - كانت مرحلة جدّ قاسية، أثناء اعتقالي كان طفلي (3 و6 أعوام) سبباً رئيسياً في صمودي وبتعلّقي بالحياة وسبب معاناتي الأول. * ماذا يبدّل العيش مع مقاتلين على مدى عام كامل في مسار الإنسان؟ - في الواقع لم يغيّر شيئا، وهنا يكمن انتصاري وتقع هزيمتهم. فهؤلاء عجزوا عن تغيير قناعاتي، فأنا لم أغيّر ديني، ولم أتحوّل إلى شخص يكره الإسلام. الدواعش لا يمثلون الإسلام * كيف نجحت بتجنّب "الإسلاموفوبيا"؟ - لأنني أدركت بأنّ هؤلاء لا يمثّلون الإسلام، إنهم فرقة من المرضى عقليا يحملون مشروعاً سياسيّاً. * كيف تصفهم على الصعيد الإنساني؟ - إنّهم أشخاص عاديّون جدّا، ينبغي تجريدهم من الهالة التي يحوطون أنفسهم بها من خلال الأفلام وألعاب "الفيديو" التي ينتجونها، بحيث يصوّرون أنفسهم كالأبطال، إنهم أناس لديهم أوقات ضعف بحيث يمكن للواحد منهم أن يوقع مسدّسه أرضاً ويعود ويلتقطه وهو يكيل الشتائم، ويمكن أن يمزحوا أو يقهقهوا أحيانا كالأغبياء. * بأيّ شروط تمّ الإفراج عنك؟ - حصلت مفاوضات قادتها أجهزة الدولة الفرنسية ولا أدري لغاية اليوم مقابل ماذا تمّت مبادلتي، كلّ ما أعرفه هو أنّ الحكومة الفرنسيّة لم تدفع أموالاً، أما إذا تمّ دفع مبالغ معيّنة فهي لم تأتِ من الحكومة بل ربّما من كفلاء، لكن لا شيء مؤكد في هذا الخصوص. كنّا ننام مكدّسين * تحدّثت في "أكاديميّة الجهاد" عن زميلك الصحافي الأميركي جيم فولي الذي كان أوّل صحافيّ يقطع "داعش" رأسه كيف عرفت بذلك وبم شعرت؟ - كما الجميع، عبر وسائل الإعلام وذلك بعد تحريري، قتل معتقل واحد أثناء اعتقالي لكنّ لم ينشر الإعدام علانيّة، كنّا أنا وفولي وحوالي العشرين أجنبيا نعيش في زنزانة واحدة، شكّلنا عصبة أصدقاء مقفل عليها ومكدّسين فوق بعضنا البعض، أصبحنا مقربين جدّا، القاسم المشترك بيننا هي العاطفة العميقة التي نحملها للمنطقة، فلو كنّا نكره الإسلام أو عنصريين لما قصدنا سورية، علما بأن نصف المعتقلين كانوا صحافيين والنصف الآخر عمّال إغاثة، لم نقصد سورية لجني المال، فمكاسبنا كلّنا متواضعة جدّا، بل جئنا لنكتب عمّا يحدث وجاء المتطوعون الإنسانيون لإغاثة الجرحى وتخفيف آلام الناس، كان عملا إجراميا بامتياز قامت به "داعش" عبر اعتقالنا لأننا أشخاص نحبّ المنطقة. * هل من المجدي أن يعرّض الصحافيّ نفسه للخطر ليغطي حربا كما في سورية أو في مناطق نزاع أخرى؟ - ليس لي أن أعظ في هذا الموضوع، لا يمكنني أن أتهم زميلاً بالجبن إذا رفض التغطية في هذه الأماكن، كما لا يمكنني اتهام من يذهب بأنه مجنون إنه قرار شخصي وصعب جدّا وينبغي احترامه في كلّ الأحوال. المقاتلون الأجانب * ما هي مواصفات المقاتلين الأجانب الذين يقصدون سورية؟ هذا أمر صعب تحديده لأنه يوجد من جميع الجنسيات والفئات الاجتماعية، ومن الطوائف الإسلامية والمسيحية واليهوديّة، وثمة أناس كبار في السّن شبّان ونساء ورجال وأطفال، وبالتالي يصعب جدّا تعريف هوية "الجهادي" الأجنبي، وهذا تحديدا ما يسبب الإعياء لأجهزة المخابرات لأنه من الصعب جدّا توقع من سيقصد سورية. مجموعة محتالين * ما هي رسالتك إلى نظرائك الغربيين الذين يقصدون سورية للقتال إلى جانب "داعش"؟ - لا تذهبوا إلى هنالك إنها الخديعة بحدّ عينها، يحاول "داعش" تصوير القتال بأنه أمر سهل وممتع، وكأنه فيلم "بوليسي" أو لعبة "فيديو"، يجب أن يعرف الناس بأن ثمة أشخاص انضموا إلى "داعش" ثم هربوا لأنهم أدركوا الحقيقة، وبالتالي فإنّ الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجميع هي أنّ "داعش" مجموعة من المحتالين. * ما هي نقطة قوّة "داعش"؟ - تكمن نقطة قوتهم في أنهم نجحوا في إقامة خلاصة شاملة بين المتخيّل حول المنطقة أي كلّ ما نشاهده في المسلسلات في شهر رمضان مثلا، من قصص الخيّالة المسلمين من القادة التاريخيين، ومزجوا بين السيوف والنيران والصقور والرايات، وجمعوها بالرموز البصرية التي استخدمها مخرجون عالميون في أفلام شهيرة وبين ألعاب "الفيديو"، أرسى "داعش" خلاصة من عالمين وهذا أمر قويّ جدّا. أمن السوريين أهمّ من أمن الغرب * كيف تقيّم بدء الحوار السياسي بين الدول في اجتماع فيينا الذي بدأ في نسخته الأولى في 30 أكتوبر الماضي؟ - يذكرني مؤتمر فيينا بلقاء القوى الكبرى إبان اتفاقية "سايكس بيكو" وقبلها في"مؤتمر يالطا"، يلتقي زعماء ودبلوماسيو الدول الكبرى في الصالونات الذهبية ليتناقشوا بموضوع حدود الدول والكتل البشرية التي تعيش على ضفافها، "مؤتمر يالطا" زاد المشاكل الأوروبية ولم يزلها، واجتماع فيينا لن يفعل لأنه ينعقد بلا السوريين، فكيف بالإمكان اقتراح حلّ بلا حضور ممثلين عن السوريين، لا يمكنني فهم ذلك البتة. إنّ مقاربة الحلول في هذا الشكل الأحادي سيؤدي بمفهومي إلى التأسيس لنكبات جديدة في القرن المقبل، ويضيف: "كان الجدال منصبّا قبل انعقاد الاجتماع بالأمس: من سندعو إليه؟ هل ندعو طهران أم روسيا أم زيمبابوي؟ ليست هذه هي المسألة! كان من المهم دعوة السوريين لكي يضعوا خريطة طريق لمخرج سياسي للحرب التي تعصف ببلدهم منذ خمسة أعوام". لقد عانى الشعب السوري بما فيه الكفاية، لا توجد عائلة سورية واحدة لم يسقط لها شهيد، ورأى السوريون أملاكهم تحترق، بيوتهم مدارسهم محالّهم التجارية مصانعهم، كل شيء تهدم أمام عيونهم، ويسألون لم ازداد التطرف لدى فئات من الشعب؟ وأنا استشهد بصديق قال لي: "لو عاش الدالاي لاما في سورية وقاسى ما قاساه الشعب السوري لتحوّل إلى جهادي!". مساواة بين "داعش" و"النظام" * هل التحالف الغربي ضدّ "داعش" فعّال برأيك؟ علما بأنّ 6 جهاديين فرنسيين قتلوا في أكتوبر بغارات جوية فرنسية ضدّ معاقل ل"داعش"؟ - أنا غير متيقّن من مدى فاعلية التحالف الدّولي، لكن لا ينبغي الامتناع عن اللجوء إلى العمل العسكري ضدّ ما يسمّى بداعش لأنّها عدوّنا، لا يجب التردّد حيال ذلك البتّة، إلا أنّ ثمّة مشكلتان في هذا المضمار؛ فالضربات الجوية موجّهة ضدّ "داعش" فحسب، وهذه إشارة سيئة جدّا للمدنيين السوريين لأنّ عدوّهم الرئيسي ليس "داعش" بل النظام السوري الذي قتل أكثر من 10 أضعاف ضحايا "داعش" من المدنيين السوريين. من جهة ثانية؛ يخدم هذا التحالف من حيث لا يدري دعاية "داعش" ويسهم في الترويج له. يقول المسؤولون في "داعش" للملأ: ثمة تحالف قوامه 85 بلداً بينها دول عظمى يقصفنا يوميا لكننا لم ننجح بالصمود فحسب، بل إننا عزّزنا تواجدنا، ألا يشكّل ذلك برهانا كافيا بأنّ الله يقف إلى جانبنا؟. إنهم يستخدمون هذه العملية العسكرية لصالحهم لذا فهي ليست مجدية برأيي. * ما هي الطريقة الفضلى إذن لمحاربة "داعش"؟ - ثمّة طريقتان؛ إما استخدام الجيوش البرية وقتل الرؤوس الكبرى، لكن إذا أزيلت "داعش" اليوم فإن كارثة أخرى ستمثل للعيان، بسبب غياب أيّ مشروع سياسي معدّ لسورية، فإذا توصلنا إلى القضاء على "داعش" اليوم، فإننا سوف نحصل في غضون 6 أشهر على تنظيم أشدّ راديكاليّة منه يسيطر على سورية. ينبغي التصرّف بشكل معكوس عبر خلق مشروع سياسي مطمئن للسوريين عندها ستنهار "داعش"، يجب قلب النظام السوري فينتهي تنظيم "داعش" تلقائيا. ويكمن الجزء الآخر من الحل ّفي إنشاء مناطق آمنة للسوريين لا يسيطر عليها "الشريران" وهما بمفهومي: النظام و"داعش"، مناطق بلا طائرات أميركيّة ولا روسية، لا شيء، مناطق يعيش فيها النّاس بهدوء، لا يحتاج الشعب السوري إلى طائرات ولا إلى مزيد من الراجمات والصواريخ بل إلى أمن، إلى مناطق يشعر فيها الناس بالأمان فيبدأون حياة جديدة ويشرعون بالتفكير بمشاريع سياسية وبكيفية الاستثمار بالمستقبل. ونحن بحاجة إلى تزويد السوريين بالأمل لأنّ اليأس هو سبب التطرّف ولا يوجد طرف سوى "داعش" سواء في العراق أو في سورية يتحدث إلى السنّة العرب الذين يشعرون بأنهم متروكون من الجميع، هؤلاء بحاجة إلى أمل وإلى من يهتم بهم فعليا، ونحن لا نهتم إلا بالحدود وبأمننا الخاص. لقد سقط 17 شخصا نتيجة عمل إرهابي في يناير الفائت في باريس، فقامت الدنيا ولم يحرّك أحد ساكنا حيال 300 ألف سوري سقطوا نتيجة الحرب، فالتدخل الغربي هو من أجل أمن بلدانه فحسب، من غير الأخلاقي أن نضع أمننا أولوية وننسى أمن هذا الشعب، ومن غير الأخلاقي أن نحارب "داعش" باسم لأمننا فحسب !، وهذا يعني أن لا مكان لأمن السوريين والحل الوحيد برأيي هو في التركيز على أمن السوريين وخلق شعور بالأمان لديهم عندها تحل المشاكل برمّتها، المهمّ أن نوجّه رسالة إلى الشعب السوري رسالة بأننا نهتم لأمنه، وبأنّ أمننا كغرب يتعلق بأمنه، ومن الأخلاقي القول علانية بأننا نضع حواجز ونقوّي أجهزة المخابرات ثمّ نطلق تحالفا ضدّ "داعش" باسم الدفاع عن أمننا وكأننا نقول للسوريين بأنّ أمنكم لا يعنينا البتّة. الأسد خسر السيطرة والشرعية * يبدو بأنّ المسار السياسي بدأ يتحرّك منذ مؤتمر فيينا في 30 نوفمبر الماضي وثمّة نزاع حول مصير الأسد لكنّ قبوله وارد للمشاركة في المرحلة الانتقالية من تشكيل حكومة إئتلافية وصولا إلى انتخابات الرئاسة السورية، ما رأيك؟ - لقد خسر الأسد السيطرة والشرعية على السواد الأعظم من الجغرافيا السورية وفقد جزءا كبيرا من تأييد الشعب السوري، إنه شخصيّة محبطة، جزء كبير من الشعب السوري لا يمكنه تحمّله بعد الآن. ليس التاريخ شريط "فيديو" نعيده إلى الوراء ونقدّمه ساعة نشاء، لا يمكننا إرجاع عقارب الساعة 4 أعوام خلت واستعادة الجغرافيا ذاتها والحاكم نفسه، لا يمكننا فعل ذلك، ما إن يخرج الشيطان من القمقم لا يمكن إعادة الأمور إلى سابق عهدها، ربّما ينجح النظام السوري بالاستمرار، لكن إذا تمكّن نظام بشار الأسد شخصيا من الصمود أمام هذه الأزمة فلن نعثر على الحلّ المنشود، لأنه سيكون نظاما صغيرا جدّا، يسيطر على جزء يسير من الأراضي السورية، مع بضعة أقليات وبعض السنّة الذين تربطهم مصالح اقتصاديّة في مقابل مساحة ثانية تسودها الطائفة السنّية لوحدها ولن تتمتع بالاستقرار أيضا. تقسيم سورية * هل تقسيم سورية محتمل كما ألمح رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه في 28 أكتوبر بمؤتمر واشنطن حول الاستخبارات قائلا بأنّ حدود سورية والعراق ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت إبّان الحرب العالميّة الثانية؟ - التقسيم احتمال قائم لكن غير مرغوب فيه، أمّا إذا بقي نمط الأزمة على ما هو عليه فسنسير في هذا الاتجاه: بشار الأسد على رأس دولة علوية صغيرة "علويستان"، تشبه جزيرة وسط بقعة سنّية غير مستقرّة إلى حدّ بعيد، يسودها العنف ومعادية للدولة المجاورة. * لماذا انتقدت زيارات قام بها برلمانيون فرنسيون إلى سورية والتقوا شخصيات في نظام الأسد وذلك حصل مرتين لغاية اليوم في فبراير 2015 وفي أكتوبر من العام نفسه؟ بينما أيّدت توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد أثناء استخدامه السلاح الكيمياوي؟ فهل تفضّل الحسم العسكري على الحلول الدبلوماسيّة؟ - لا، فأنا بشكل عام ضدّ التدخلات كلها العسكرية وسواها إلا تلك الهادفة والمحدّدة. كنت أتمنّى لو تدّخل الجيش الفرنسي ضدّ نظام الأسد كما يفعل ضدّ "داعش"، لكن شكل التدخل ضدّ نظام الأسد، لا يشبه قط الغزو الأميركي للعراق، فأنا لا أحبّذ قصف قصور بشار الأسد، بل ما أودّ مشاهدته هو طوّافة سوريّة تضرب البراميل المتفجرة وتحرفها عن إصابة أهداف مدنية، كان ذلك ليشكل رسالة قوية، ووددت مشاهدة إطلاق صاروخ موجّه ضدّ مدفعية سورية تضرب المدنيين السوريين، برأيي إنّ أيّ تدخّل لا يجب أن يحمل أهدافا مثل تغيير النظام، بل أن يحدث بخلفيّة وحيدة تتمثّل بحماية الشعب السوري. لن أكره الإسلام * كيف يمكن محاربة "داعش" وأنت كنت شاهداً على انبعاثها في العراق حيث كنت مراسلاً حربياً؟ - ينبغي جلب الأمن والاستقرار للسكان المحليين، على مستوى الشرطة والأمن يجب تمرير رسالة إلى البلدان التي تصدّر مقاتلين إلى سورية بأنّ "داعش" هي تنظيم دجّال، سألت بعض المقاتلين عن سبب توجّههم إلى سورية فكان جوابهم؛ بأننا نرى إخوتنا المسلمين يموتون منذ أعوام طويلة والعالم لا يحرّك ساكنا. إنهم في ما يشبه رسالة إنسانيّة، فهم يعتقدون حين يتوجهون إلى القتال بأنهم يقومون بالمساعدة الفعليّة، برأيهم أنهم يناصرون الخير، لكن ينبغي تنبيههم بأنّ هذا الانطباع خاطئ، لأنه ما إن يطأوا مناطق "داعش" فهم لن يقاتلوا النظام السوري، ولن يحموا الشعب السوري، ولن يقتلوا يهودا أو صليبيين، بل هم لن يقتلوا عمليّا إلا مسلمين. * كيف لم ينجح تنظيم "داعش" في تجنيدك في صفوفه؟ - لأنني لست مغفّلا، وبقيت واعياً إلى الخدع التي يمثلونها، ولكذبهم ولنظرتهم إلى العالم وهي نظرة جنون مشوّهة وتآمريّة. * كيف يمكن إنقاذ الإسلام من هؤلاء؟ - يجب أن يعاود المسلمون الإمساك بزمام دينهم بغية إنقاذه من ظواهر مماثلة ل"داعش" تشوهه وترسم صورة مختلفة عمّا هو في حقيقته، وبصراحة لم أفكر بذلك بعمق ولكنه سؤال مهمّ وجدير بالتفكير: كيف ننقذ الإسلام؟ وأنا أدرك بأن المسلمين يتألمون جدّا من ظواهر مثل "داعش". شهادة مواطن غربي محب * تحدثت في كتابك عن كيل الغرب بمكيالين في ما يخصّ قضايا الشرق الأوسط؟ كيف يمكن تبديل هذا السلوك الغربي تجاه قضايا فلسطين وسورية والمنطقة برمّتها؟ وهل سيساعد كتابك "أكاديمية الجهاد" في إحداث فارق؟ - إنّ هدف كتابي باللغة الفرنسيّة هو مكافحة "الكليشيهات" والأفكار الخاطئة التي لدى كثر من مواطنيّ الغربيين بالنسبة إلى أزمتي سورية والعراق، وأهدف من خلال النسخة العربية إلى إيصال أفكاري الغربية إلى الشعوب المعنية بهذه الأزمة، إنه عبارة عن شهادة لمواطن غربيّ يحب الشرق الأوسط بهدف الحفاظ على الرّوابط والجسور بين الحضارات. نسأله: هل تألّمت؟ يجيب: "نعم، كثيراً، لكنني لن أسرد تفاصيل ألمي لأنني لو كرست هذا الكتاب لمعاناتي لكنت أناقض خطابي وهو القائل بان ألمي يعتبر أمراً ثانوياً قياساً بمعاناة الشعب السوري، لو صورت نفسي كضحية لكنت خائناً لمعاناة هذا الشعب، ليس الضحايا هم الغربيون بل إنه الشعب السوري لأنه يقتل منه أكثر منا، أكثر من الفرنسيين ومن الأميركيين ومن الجميع.