عرضت إحدى القنوات الأميركية، قبل أكثر من عام، قصة الحصان «شارلي» ورفيقه التيس الأقرن المسمى «جاك». كان الحصان والتيس يعيشان في مزرعة لرعاية الحيوانات الضالة، أو تلك التي تخلى عنها أصحابها، بلا شفقة. حين جاء الحصان «شارلي» إلى مزرعة العناية بالحيوانات المشرّدة، كان قد فقد إحدى عينيه، ويجد صعوبة في الأكل والشرب والمشي. تعاطف معه التيس «جاك»، وأصبح يسير إلى جانبه حتى يحميه من الجهة التي لا يرى فيها، ويدله إلى أماكن العُشب، ويرافقه من المزرعة وإليها، يعود وهو يسير إلى جانبه كل يوم مثل ظله. وما لبث «شارلي» أن فقد عينه الأخرى. صار لا يرى مطلقاً، دخل ظلمة أبدية. هنا تحول التيس «جاك» إلى أشبه بمربية لطفلٍ كفيف. تفرَّغ لخدمة الحصان الأعمى «شارلي». يدله إلى الطريق، ينقله إلى الأماكن التي ألفها في الغابة القريبة، ويحيطه برعاية جعلت «شارلي» لا يشعر بأنه فقد نور عينيه. ولم يعد أصحاب المزرعة يخافون عليه من الضياع، كانوا لا يرون «جاك» بمفرده، صار ملازماً للحصان «شارلي» على نحو يُعد سابقة في الإخلاص. حتى عندما ينام «شارلي» كان التيس الوفي «جاك» ينام إلى جواره. عاش «شارلي» و «جاك» علاقة صداقة وودٍّ وتراحم تجاوزت في مثاليتها ما تفعله أم حنون. دامت العلاقة بين الحصان «شارلي» والتيس «جاك» 16 سنة من دون أن يفارق أحدهما الآخر دقيقة واحدة. في أحد الأيام، عاد «جاك» وحيداً إلى المزرعة. كان يمشي ببطء كأنه تائه. شعر المشرفون على المزرعة بأن حزناً عميقاً يلفه. مات الحصان الأعمى. مات «شارلي». بعدما شاهدتُ القصة، سألت نفسي، تُرى كم عدد البشر الذين يحملون القِيَم التي يتحلى بها «جاك»؟ لماذا كانوا يعلّموننا في المدارس الرأفة بالحيوان؟ مَنْ الذي يعلم الرأفة في حياتنا اليوم، نحن أم الحيوانات؟ هل خطف البشر هذه الخصلة ونسبوها إلى أنفسهم؟... أم أن أحوال الإنسان والحيوان تبدّلت، وأخذ كل منهما دور الآخر؟ يبدو أن الموازين انقلبت. صار الأطفال يمنحون آباءهم العطف والحنان. أصبح الأب لا يجد الأمان إلا حين يحضن طفله. وإذا تكالبت عليه الهموم، وضجّ من قسوة البشر، وغدرِهم، وخداعهم، فر إلى أطفاله بحثاً عن هدوء الخاطر، وراحة البال. أصبحت الحيوانات تعلّمنا الرأفة والوفاء، على رغم أننا كنا نظن، واهمين، أننا من يرأف بالحيوان، من قسوة البشر. تُرى، هل حان الوقت لتغيير مسمى «جمعيات الرأفة بالحيوان» إلى «جمعيات الرأفة بالإنسان»؟