روى قائد عسكري عراقي ميداني تفاصيل يومية عن مجريات القتال مع تنظيم داعش في مجمل قواطع العمليات في الأنبار وطبيعة العلاقة الملتبسة في كثير من جوانبها مع الطيارين الأميركيين الذين كثيرا ما يفضلون الاحتفاظ بصواريخهم على إطلاقها على هدف لا يعادل خمس ثمن الصاروخ الواحد. ويقول قائد أحد الصنوف في الجيش العراقي ويحمل رتبة رفيعة المستوى في حديث لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، إن «الميزة الأهم التي تحققت حتى الآن هي إبعاد خطر تنظيم داعش عن العاصمة بغداد تماما حيث زحفنا كثيرا باتجاه المناطق والمدن التي يحتلها داعش بالإضافة إلى سد الثغرات التي كان يمكن لهم التغلغل من خلالها باتجاه بغداد»، مشيرا إلى أن «ما قاله رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل أيام من أن بغداد باتت آمنة بنسبة مائة في المائة صحيح، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا عن تحرير كامل الأنبار من تنظيم داعش حيث لا يزال التقدم بطيئا وقد يستمر فترة طويلة دون حسم». وردا على سؤال بشأن التصريحات والبيانات التي تتحدث يوميا عن تقدم كبير للقوات العراقية باتجاه الرمادي وتطويقها، قال القائد الميداني «نعم باتت الرمادي مطوقة وبالإمكان التقدم أكثر باتجاه تحريرها والقوات العسكرية مستعدة للتقدم ولكن ما نحتاجه هو الغطاء الجوي»، مشيرا إلى أن «الدواعش ومن خلال استراقنا لأحاديثهم فيما بينهم يخشون الطائرات لا سيما الأميركية منها بسبب فاعليتها والدقة المتناهية في إصابة الهدف». لكن مسلحي «داعش» طبقا لما يقوله القائد الميداني العراقي «يحاولون الاختباء قدر الإمكان عند قدوم الطائرات الأميركية التي تبدأ من خلال نداءات سريعة فيما بينهم نسمعها من خلال أجهزتنا تطلب من أتباعهم الاختفاء عند قرب قدوم الطائرة الأميركية التي غالبا ما يرفض طيارها ضرب الهدف الذي نؤشره له كإحداثيات وذلك بسبب الاختفاء السريع للهدف أو البحث عن وسائل تمويه تجعل الطيار يتردد في القصف كأن يخرجون مجموعة من الأطفال أو النساء مما يوحي بأن هذا المنزل أو المكان هو لسكن العوائل وليس مقرا عسكريا بينما تنطلق منه الصواريخ أو المدفعية باتجاهنا». ويشير القائد الميداني العراقي إلى «أننا حين نحاجج الطيران الأميركي حول عدم قصف الهدف يقولون: إن الصواريخ التي بحوزتهم أغلى بكثير من هدف بسيط أو متناثر في مساحة واسعة». وحول ما يقال عن أرتال «داعش» وما إذا كانت صالحة للقصف من قبل الطيران الأميركي، يقول القائد الميداني إن «الطائرات الأميركية تقصف هذه الأهداف ولكن طبقا لما تورده معلوماتنا فإن القصف ليس بالفاعلية التي يمكن أن تقلب الموازين وذلك نظرا للتراجع الواضح في إمكانيات (داعش) ما عدا السيارات المفخخة والانتحاريين حيث إننا كثيرا ما نسمع أحاديث فيما بينهم حين نقوم بعمل تعرضي ضدهم وتصدر توجيهات داخلية فيما بينهم وأسئلة مثل (هل لديك انتحاريون) وحين يجيب نعم لدي أربعة انتحاريين جاهزين يطلب منه تحريك اثنين منهم على الهدف حيث يتقدمون بسيارة أو سيارتين مفخختين ومدرعتين بالكامل بحيث لا يفيد معها القصف حتى يجري تفجيرها وسط الهدف أو بالقرب منه مما يؤدي إلى وقوع خسائر في صفوفنا». وحسب القائد الميداني فإن من بين أهم المؤشرات التي تم رصدها عن طريق الاتصالات «وضع التنظيم من الداخل بدأ يهتز إلى الحد الذي بدأت تصدر فيه أوامر مباشرة لتنفيذ أحكام الإعدام بحق عناصرهم المنسحبين وهو ما بات يحدث لأول مرة، كما أن من بين المفارقات التي لمسناها أنه في الوقت الذي تكون فيه المراسلات والنداءات التي نلتقطها لعناصرهم، وكلهم من العراقيين ومن أبناء المناطق نظرا لطبيعة اللهجة أو المعرفة التفصيلية بطبيعة المنطقة أو الأوصاف التي يطلقونها على بعضهم فيما بينهم وأكثرها مفردة (حجي)، فإن القتلى الذين نعثر عليهم أستطيع القول: إن 90 في المائة ليسوا عراقيين بل هم عرب في الغالب الأعم وأجانب ولكن بنسبة قليلة». وردا على سؤال بشأن فاعلية الطيران العراقي في المعركة، يقول القائد الميداني إن «المشكلة التي نواجهها هي قلة العتاد سواء كان على صعيد الطائرات أو الأعتدة الأخرى وبالتالي فإن حركة الطيران العراقي ليست بالفاعلية التي تملكها طائرات التحالف التي لا يهمها عتاد أو وقود بينما نحن كل هذا محسوب لدينا علما بأن الطيار العراقي يضرب الهدف الذي نطلبه منه ضربه بعكس الأميركيين الذين لا يضربون الأهداف إلا حين يقتنعون هم بها». وحول المحاولات الجارية لإشراك روسيا في الحرب ضد «داعش»، يقول القائد الميداني إن «أسلحة كثيرة وصلتا من روسيا وموسكو أبدت استعدادها لتزويدنا بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ ويتم تسجيلها كديون على العراق بما في ذلك صواريخ ذات نوعية قادرة على تدمير الهدف بالكامل بمساحة كبيرة وبحدود ثلاثين صاروخا لكل هدف علما بأن سعر الصاروخ الواحد نحو أربعة آلاف دولار في حين أنه لا يوجد هدف لـ(داعش) يمتد على هذه المساحة من الأرض وفي حال تم استخدام صاروخ أو صاروخين فإنهما قد لا يصيبان الهدف المطلوب وبالتالي فإن العبرة هي ليست دائما في جلب العتاد أو السلاح بل في كيفية استخدامه ومدى فاعليته لحرب من هذا النوع هي أقرب إلى حرب العصابات منها إلى الحرب النظامية». وبشأن الحديث عن التوجه لتحرير الرمادي وترك الفلوجة التي هي أقرب منها بخمسين كيلومترا باتجاه بغداد، يقول القائد العراقي «الفلوجة مفخخة بالكامل وهي عبارة عن قنبلة موقوتة ولذلك فإنها ستكون آخر مدينة عراقية يمكن الدخول إليها ويفضل أن يكون من دون سلاح لكن حتى يحين ذلك الوقت لكل حادث حديث».