صراع القوى الإقليمية المحموم من أجل توسيع النفوذ وفرض واقع جديد في المنطقة وفرص التعاون المحتملة، كان محور نقاشات جلسة الحوار الثالثة من فعاليات اليوم الأول لـملتقى أبوظبي الاستراتيجي 2015 في ندوة حملت عنوان تجاذب وتنافر القوى الإقليمية (إيران، تركيا، الصراع العربي- الإسرائيلي)، وأدارتها الدكتورة داليا داسا كيه، أستاذة العلوم السياسية، ومديرة مركز الشرق الأوسط للسياسات العامة في مؤسسة راند الأميركية. ورأى الدكتور محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته أظهرا رؤية استثنائية بإنجاز الاتفاق النووي مع ايران، والذي يتجاهل كثيرون انه أيضا اتفاق تم توقيعه مع خمس قوى عالمية كبرى أخرى ـ على حد تعبيره. ترحيب بشروط وذكر الدكتور ميلاني بأن 37 عاماً من العداء والقطيعة بين واشنطن وطهران أنهتها مصافحة بين القادة الإيرانيين والأميركيين، وهذه رسالة للخليج بأن التعاون لا يزال ممكناً وأن القطيعة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. وأكد الدكتور محمد السلمي، المحاضر السعودي في العلاقات الدولية، أن جميع دول المنطقة تريد انفتاحاً على ايران وفي مقدمتها دول الخليج العربي بحكم الجوار، الا أن التناقضات في الخطاب السياسي الإيراني تزداد حدة. اذ أن الزعيم الإيراني خامنئي طالب بعد ثورتي تونس ومصر في مطلع ما سمي بـ الربيع العربي شعوب المنطقة بالثورة من أجل اسقاط الأنظمة الحاكمة، ثم أعلن بعد ذلك أن الربيع العربي مؤامرة صهيو-أميركية، ليتراجع مرة أخرى بسبب موقفه من الأزمة في سوريا ليقول إن ما يحدث هو حرب ضد الإرهاب السني. وأكد السلمي أن لا تعاون مرشحاً للاستمرار بين ايران ومحيطها ما لم تتخل طهران عن حلمها بإقامة مشروعها الامبراطوري في المنطقة وما بعد حدود المنطقة، وتهتم مثل أي دولة أخرى بشؤونها الوطنية. وفي سياق النقاش حول الطموحات النووية الإيرانية، قال الدكتور سلطان النعيمي ان دول الخليج والمنطقة العربية لا تعارض امتلاك ايران برنامجاً نووياً سلمياً، لكن الخلاف يتمحور حول عدم وجود ضمانات حقيقية وكافية، تكبح مطامع طهران النووية في امتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها لأغراض غير سلمية. ولفت الدكتور النعيمي الانتباه إلى أن الحديث عن النظام الإيراني يختلف عن الحديث عن الحكومة هناك، فعلى الرغم من كون الأخيرة الجهة التنفيذية في الدولة، الا انها تبقى الحلقة الأضعف في سلسلة صناعة القرار الإيراني، وهذه مشكلة واجهت معظم من تعاملوا ويتعاملون مع ايران. توجّس من جانبه، أكد الدكتور بيوتر دتكيويتز، مدير مركز الحوكمة والإدارة العامة في جامعة كارلتون الكندية، أن ايران حصلت على هدية ثمينة من المجتمع الدولي متمثلة في الاتفاق النووي، وهي تدرك جيدا أنها يجب أن لا تفسد هذه الفرصة الاستثنائية التي جاءت بعد سنوات من الانتظار الصعب. وأضاف الدكتور دتكيويتز إن إيران في الوقت نفسه تواصل محاولة احداث الشقاق بين المحافظين والليبراليين، بذات القدر الذي تلعب فيه على تكريس الطائفية. بدوره، قال الدكتور وو بنغبنغ، الأستاذ المشارك، ومدير معهد الثقافة العربية-الإسلامية في جامعة بكين، إن هناك تفهماً صينياً للمخاوف التي تبديها معظم الدول الخليجية والعربية تجاه البرنامج النووي الإيراني. وكشف بنغبنغ أنه كما ان الصين قلقة أيضا من ان تتهاوى مزيد من دول المنطقة لتصبح دولا فاشلة، الأمر الذي سيرتب اعباء امنية واقتصادية مضاعفة على دول العالم، بما يعني ذلك من انتشار اوسع للإرهاب في ساحات جديدة. وفي المحور التركي، قدم يشار ياكيش، السياسي البارز ووزير خارجية تركيا الأسبق توصيفاً للمقاربة التركية الخاطئة للوضع في سوريا قائلاً: لم يسقط نظام بشار الأسد، لكن سياسة تركيا الخارجية لم تتكيف، وأصبحت أنقرة أكثر عزلة من أي وقت مضى. وأكد ياكيش ان الانتخابات التي تشهدها تركيا اليوم تعد حاسمة، لأن نتائجها ستؤثر كثيرا على السياسة الخارجية التركية ومنها الموقف من الحرب في سوريا. أما عبدالله الشمري، الباحث غير المقيم في مركز الشرق الأوسط الدولي بأنقرة، فقد قال ان أفضل وصف للعلاقات السعودية-التركية، هو ما جاء في احد المقالات: أفضل الأصدقاء الأعداء، وفي مقال آخر، هو العداقة. ورأى الشمري ان الباب لا يزال مفتوحاً أمام القادة في ايران لإبداء نوايا حقيقية للتعاون مع دول الخليج والمنطقة، ولو تمتعوا بالحكمة المطلوبة لفعلوا ذلك على الفور.