يا له من وطن.. ويا لها من صور للحب والتواصل تتكرّر في كل بقعة من أرجائه. مذ قدمنا إلى مشارف "الباحة" و"التراحيب" تحفّنا على لسان وقسمات رجالها وهم يرفعون الصوت "مرحبا هيل عد السيل". وعلى وقع العرضة والتماع الخناجر رأينا النقاء والبشاشة على الوجوه.. وفي الباحة الأرض والناس كانت لنا أيّام. لم يكن ملتقى الباحة للإعلام فقط مناسبة لنلتقي ونتحاور وإنما كان دعوة وطنيّة للسؤال والتواصل والحوار في مقومات التنمية ودور الإنسان في المنجز التنموي بوصفه محور كل شيء. وفد على الباحة شباب وكبار من كل فروع قبائل الإعلام والإبداع حضروا من كل الجهات الأصليّة للمملكة فبدت ردهات سكن الضيوف وصالونات الاستقبال بيتا سعوديا بامتياز. لن أتحدث عن الأسماء وأريحيّة المنسقين وكرم الرجال في الباحة فهذه طباعهم بدءا بالمنظمين المكلفين وانتهاء بشباب "جامعة" الباحة الذين تطوّعوا سائقين ومرافقين للضيوف دون كلل أو ملل. أذكر أننا كنّا نسأل سائق سيارتنا أسئلة المسافرين الكثيرة فيجيب بأدب ودماثة لنكتشف فيما بعد أنه يدرس الطب في جامعة الباحة وأن من أوصل حقائبنا للفندق يدرس بكليّة الهندسة. ومن "الباحة" إلى "حائل" المدينة والأصدقاء وحاتم الطائي الذي تراه في قسمات كل حائلي وهو يستقبلك هاشّا باشّا. كانت بهجة يومين حظيتُ فيها بفرصة نادرة لزيارة المدينة التي لم أفز بفرصة زيارتها من قبل ومن المطار حتى مقر الضيافة وعبارة "يا بعد حييّ" تتردّد أنشودة حائلية تطرب الأذن والروح. وكان اللقاء في جامعة حائل مع شباب "حائل" المتوقّد وهو يسأل ويتساءل عن التنمية والإعلام والمستقبل. في حائل سمعت ذات الأسئلة ومعظم الهموم والتطلعات الوطنيّة التي يرددها شباب الباحة. في حائل فتح الحوار الممتع والثري مع الأستاذ الدكتور خليل البراهيم مدير جامعتها الوليدة باب الفأل في رؤية قيادات الجامعات الجديدة لدور جامعتهم في التنمية والتحديث. ومما أسعدني أن مدير الجامعة وهو يتحدث كان يؤكّد على أن دور الجامعة لا ينبغي أن يقتصر على منح الشهادات بل وإكساب الخرّيج مهارات مهنيّة تجعله منافساً وجاهزاً لسوق العمل. الأهم أن مدير جامعة حائل شرع فعلاً مع فريق من زملائه في تصميم وتنفيذ بعض البرامج ضمن مسارات تدريب للطلاب تترافق مع التحصيل العلمي بإشراف بيوت خبرة ومشاركة شركات لتطبيق هذه الرؤية الطموحة. لقد كشفت مشكلات ملف العمالة أن الخلل في سوق العمل لا يمكن إصلاحه إلا بإصلاح التعليم وتعزيز ثقافة الإنتاج والعمل. إن فكرة إنشاء جامعات المناطق البعيدة ستكون علامة تاريخيّة فارقة في مسيرة التنمية وسنجني آثارها في المستقبل القريب بإذن الله. لقد رأينا في جامعة الباحة كما في جامعة حائل وجامعة جيزان أن ثقافة العمل المهني أحسن حالاً منها في المدن التي دلّلت شبابها كثيراً. وإن الاستمرار في التنويع المتوازن للتخصّصات الجامعيّة بحسب ظروف كل منطقة سيحقق لنا الاكتفاء الذاتي في كثير من التخصصات الفنيّة التي هي شرط مهم من شروط التنمية البشريّة المستدامة. * مسارات قال ومضى: "من لا يعتز بما لديه، ضاع أمله من بين يديه".