ألقى الانهيار النفطي بظلال جديدة على الاقتصاد الجزائري حيث سجل الميزان التجاري عجزا قياسيا في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وهو ما أثار المخاوف من تداعيات ثقيلة على الدولة والمواطنين. وبلغ العجز في الميزان التجاري الجزائري خلال ثمانية الأشهر الأولى من العام الجاري 9.06 مليارات دولار، بعد أن عرف في نفس الفترة من العام الماضي فائضا بـ4.32 مليارات دولار. ويأتي ذلك رغم اتخاذ الحكومة الجزائرية سلسلة إجراءات لمواجهة الاختلال في الميزان التجاري الناتج عن انهيار أسعار النفط أهمها تقليص فاتورة الواردات، وتخفيض قيمة العملة المحلية، مع تبني سياسة التقشف، وترشيد الاستهلاك، وتجميد العديد من المشاريع الحكومية التي لم يتم الشروع في إنجازها بعد. وحسب إحصائيات الجمارك الجزائرية فإن صادرات المحروقات تمثل 94.51% من إجمالي صادرات البلاد، وتشير إلى تراجع إيرادات البلاد من النفط والغاز خلال ثمانية الأشهر الأولى من العام الجاري إلى 24.91 مليار دولار، بعد أن كانت 42.29 مليار دولار في نفس الفترة من 2014، مسجلة انخفاضا بنسبة 41.10%. تبعية للمحروقات وأمام عجز الحكومة في مواجهة تداعيات انهيار النفط في الأسواق العالمية استنجدت الأسبوع الماضي بدعوة خبراء جزائريين ودوليين لاقتراح حلول تخرج الاقتصاد الجزائري من التبعية المزمنة لقطاع المحروقات، وإيجاد بدائل لتنويع النشاط الاقتصادي. لكن الحكومة تتعرض لانتقادات عديدة تتعلق بطريقة مواجهتها لهذه المستجدات من خلال زيادة الضرائب. وخلال إشرافها على افتتاح اجتماع المكتب الولائي لحزبها بالعاصمة الجزائر وصفت زعيمة حزب العمال (اشتراكي معارض) لويزة حنون قانون المالية 2016 -الذي تضمن سلسلة تدابير لمواجهة الأزمة المالية- بالقانون "الجائر"، لما تضمنه من رسوم ضريبية جديدة سترهق غالبية الشعب الجزائري. واعتبر الأمين العام للمكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بن الشيخ الحسين ضياء الدين أن ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية بنسبة قدرها 60% يهدد الجبهة الاجتماعية بالانفجار. الجزائريونيخشون من تأثر مشاريع الإسكان بسبب تراجع أسعار النفط (الجزيرة نت) العجز والمواطن وعن مدى تأثير العجز المسجل في الميزان التجاري بشكل مباشر على الجزائريين، أوضح الخبير المالي سليمان ناصر أن العجز يتسبب في تآكل احتياطي الصرف الذي تملكه الجزائر، ما يهدد استقلالية الاقتصاد ويعرضه للتبعية للخارج، وهذه الآثار ستكون لها بعد ذلك تداعيات مباشرة على الجزائريين، بحسب رأيه. وقال ناصر للجزيرة نت إنه يتوقع استمرار العجز إذا لم تبادر الحكومة باتخاذ إصلاحات اقتصادية عميقة. وانتقد اللقاء الذي نظمته الحكومة ودعت فيه الخبراء، كون أغلب هؤلاء تابعين للمجلس الاقتصادي الاجتماعي (مؤسسة حكومية) ما يعني في رأيه أن "هؤلاء لا يمتلكون الاستقلالية، وأن الحكومة تحاور نفسها". وأضاف ناصر قائلا "ثم إن الخبراء من مدة وهم يحذرون الحكومة ولم تستجب لهم، والآن بعد أن بدأت السفينة في الغرق تطالبهم بإيجاد حلول ومخارج لها". إصلاحات هيكلية ويعتقد ناصر أن الحكومة لا يمكنها أن تواجه الأزمة دون مراجعة قانون الاستثمار، وخاصة القوانين المنظمة للاستثمار الأجنبي. ويتعلق الأمر بقاعدة 51 مقابل 49 التي تلزم المستثمرين الأجانب بإشراك مستثمر جزائري بنسبة 51%، ولأن رأس المال المحلي برأيه عجز عن تحريك عجلة الاقتصاد فإن استقطاب رأس المال الأجنبي هو الخيار الوحيد أمام الحكومة. بالمقابل رفض الخبير الأسبق فيالبنك الدولي محمد حميدوش القول بأن الجزائر تعاني من أزمة اقتصادية كون نسبة نموها الاقتصادي ليست سلبية، وتقدر بين 3% و4%. وكشف حميدوش أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يؤكدان أن نسبة النمو ستكون ثابتة خلال العامين القادمين. وأشار إلى أنه من الصعب تحديد القيمة الحقيقية لنسبة العجز في الميزان التجاري الجزائري، لأن أغلب المشتريات تكون خلال السداسي الأول من العام، ما يعني أن الميزان التجاري يسجل تحديدا خلال هذه الفترة ضغطا. وبرأيه فإن الحكومة أمامها عدة خيارات لمواجهة تداعيات أسعار النفط أهمها ترشيد النفقات، وإجراء تعديلات هيكلية في الأنظمة الضريبية، والجمركية، والبنكية، والمصرفية، إلى جانب تعديل قانون الاستثمار، ما يساهم في تعويض المداخيل الضائعة من العملة الصعبة.