هنالك وظائف ومهن تخصصية لا يمكن لأحد -لم يتعلم أساسياتها وتطبيقاتها- أن يُجيدها أو يمارسها بنجاح؛ ولعل من أهم هذه المهن هي التعامل مع الآخر، مثل العلاقات العامة، حيث المواجهة مع الجمهور، وتلبية احتياجات المؤسسة، ولذلك تطبيقات وأُسس معروفة لا تتوفر لجميع الناس. ومن السمات الذاتية الأساسية لموظف العلاقات العامة أن يكون قادراً على الابتكار والتعامل بإيجابية مع الآخرين، ليس أن يكذب عليهم ويقدم لهم معلومات خاطئة، أو أن يروّج لمنتج بقصد التضليل. بل عليه أن ينطلق من الإيجابيات إلى السلبيات ويضعها في حجمها الحقيقي مع تبسيط أمر مواجهتها. وأن يقابل تذمر الجمهور وسخطهم، إن حدثت مشكلة لهم من إنتاج المؤسسة أو إحدى إداراتها، بروح متسامحة لا أن يدخل معهم في شجار وصراخ يؤدي إلى فقدان ثقتهم بالمؤسسة وبالتالي مقاطعتها. وأن يكون قادراً على التعبير اللغوي الواضح، بحيث يكون مفهوماً لدى الطرف الآخر، وأن يدعم أقواله بشواهد وأدلة تقنع الطرف الآخر. كما يتطلب أن يكون قادراً على الإقناع وكسب ثقة الآخرين وإنشاء علاقات طيبة معهم. وأن يكون قادراً على احتساب مساحات التوافق والاختلاف مع من يقابلهم، وتقريب الفجوة فيما بين المؤسسة والجمهور. كما يجب عليه أن يدرك متى يفهمه الآخرون، ومتى يحتاج إلى إعادة كلامه وتوضيحه، لأن بعض الضيوف لربما لا يفهمون لهجته، إن كانوا قد قدموا من بلدان بعيدة. ومن الصفات الذاتية أيضاً: الديناميكية والكياسة وإتقان فن الحديث ووقت المقاطعة أو وقت الصمت، كما يجب أن يكون مؤمناً بمهنته متحمساً لها، مع قوة الشخصية والاستقامة. ولا يمكن لموظف العلاقات العامة أن ينجح في عمله ما لم يمتلك ثقافة عامة تؤهله للحديث مع الآخرين الذين قد يفوقونه ثقافة ومعرفة. أما الصفات المعرفية فتتلخص في معرفة الشخص لأصول وأساسيات المهنة ووظائفها وأقسامها وكيفية استخدام الوسائل المناسبة لإنجاح عملية العلاقات العامة. وقدرته على فحص واستيعاب نتائج الاستبيانات والبحوث التي يقوم بها قسم العلاقات العامة، وأثر ذلك على صفاته وتصرفاته مع العملاء. وكذلك حسن اختيار الوسائل اللازمة للترويج عن المؤسسة «إعلانات إذاعية وتليفزيونية، ملصقات، إنترنت، بنرات في الشوارع، بروشورات، إلخ» وهذا يتطلب معرفة بالمواقع وبزخم وجود المستهلكين، وكذلك أعمارهم والوسائل الناجعة لتوصيل إنتاج المؤسسة لهم. ولابد لموظف العلاقات العامة أن يحتفظ بمذكرة فيها كل الأرقام المهمة للمؤسسات والشخصيات التي يتطلب عمله أن يتصل بها أو أن يطلبها الضيف أو المراجع. ومع الأسف، ومن خلال تجربة أكثر من أربعين عاماً في الدوائر الرسمية -وجدنا أن قسم العلاقات العامة من الأقسام المُهملة في عديد من المؤسسات، بل يتم اختيار أكثر الموظفين تواضعاً -معرفياً ومهنيا- للعمل في هذه الأقسام. كما أن عديداً من المؤسسات يختصر عمل العلاقات العامة في إرسال تذاكر السفر للضيوف واستقبالهم وإسكانهم ومن ثم توديعهم في المطار. وهذا يُعد إجحافاً بحق المؤسسة وعدم إدراك دور العلاقات العامة التي أصبحت اليوم علماً يُدّرس في كليات الإعلام، وفناً للتأثير على المراجعين وكسبهم لإنتاج المؤسسة. ولقد واجهنا عديداً من الشكاوى من ضيوف كانوا يحضرون لهذه المؤسسة أو تلك، بأن موظف العلاقات العامة لم يكن موجوداً في المطار وقت وصول الضيف! أو أن يقدم موظف العلاقات العامة معلومات خاطئة أو سلبية عن المؤسسة التي يمثلها! أو قد يكون فظاً وحازماً لا يتسع صدره لطلبات المراجعين أو الضيوف، وهنالك من الموظفين الذين لا يحاولون تطوير ذواتهم، أو على الأقل تعلّم أساسيات التخاطب باللغة الإنجليزية، حيث إن بعض ضيوف أو مراجعي المؤسسة لا يتحدثون اللغة العربية! ومن الأساسيات المهمة أن يحاول موظف العلاقات العامة الترفيه عن الضيف وعدم حبسه في الفندق، فيقوم باقتراح أماكن للزيارة، والمتاحف، والمشاريع الجديدة في البلاد، وهذا يتطلب روحاً وثابة وفكراً متفتحاً ومعرفة تامة بتلك الأماكن. كما أن الأمر يتطلب في موظف العلاقات العامة أن يكون بشوشاً، حسن الهندام، مقدراً لقيمة الوقت، متفهماً لأعمار ومناصب من يتعامل معهم من الضيوف، وكذلك ثقافاتهم التي قد تختلف عن ثقافته. إن موظفاً في العلاقات العامة لا يعرف أهداف المؤسسة التي يعمل فيها، ولا نوعية إنتاجها وميزاته، لا يمكن أن يكون «معلناً» جيداً عن المؤسسة، ولا يمكن أن يؤثر في الآخرين من المراجعين. وهذه ترتبط بسلبية الشخص واعتماده الوظيفة كمصدر للرزق لا غير. لذلك، يجدر بالمؤسسات حسن اختيار موظفي العلاقات العامة، وتدريبهم، ووضع شروط أساسية للحد الأدنى من التعليم والملامح الشخصية والقدرة على الابتكار والإبداع، لا أن يأخذوا «أكسل» موظف في الشؤون الإدارية والمالية ويجعلونه يعمل في العلاقات العامة.