×
محافظة مكة المكرمة

القنفذة: العثور على مفقودي وادي قنونا على قيد الحياة

صورة الخبر

تتحدث الروائية فاطمة آل تيسان في هذا الحوار عن تجربتها الأولى في كتابة الرواية بعد صدور عملها الذي جمل عنوان "وادي المؤمنين" التي تعرضت فيها لكثير من عادات وتقاليد وموروث منطقة نجران، ومشيرةً إلى أن الرواية المحلية لم تعد محلية بقدر ما أصبحت معروفة لدى الحدود الجغرافية الأخرى وحاضرة في المحافل الإبداعية المعتبرة، بجانب أن الرواية التاريخية التي تطمح لتدوين الموروث ليس بحاجة إلى الدقة باعتبار أن ذلك من اشتراطات الباحث، إنها وعلى حد تعبيرها تحتاج إلى الانسجام الزمكاني: طقوس الموروث النجراني دقيقة جداً وليس من السهل توظيفها في الرواية * في البدء: رواية "وادي المؤمنين" هي التجربة الأولى لك على مستوى الرواية. كيف وجدت تجربتها، وما الذي شدك إلى كتابتها؟. - رغم أنني سبق وأن كتبت القصة، بتصنيفها المتعدد، ولفترات طويلة، إلا أن جزءاً كبيراً مني كان يريد تناول موضوعات وأنماط وشخصيات وأحداث معينة ومتسقة زمانياً ومكانياً، بدا لي أنه لن يتحملها ويستوعبها كتابياً إلا الرواية، حيث بقيت تلك البقعة بقراها وأهلها وبيوتاتها وأغانيها وجبالها وواديها المهيب، وجنوبيّتها الخاصة، نافرة أمامي عبر أحاديث الجدّات، وذاكرتهم التلقائية والمحكية التي تندلق في يومياتنا المعاصرة، فرغم تشابه ذهنية الأجيال في نجران، إلا أن تلك الفترة الزمنية كان لها أحلامها وتعددها وآلامها الفريدة، وكانت من جهة أخرى محرّضاً كبيراً أن أحاول سبرها وكتابة ما كان يميّز وادي "العُرض" أو وادي المؤمنين في أول رواية لي، ولعلي وجدت في السرد الروائي حالة عريضة وفسحة رحبة لاستخدام التشعبات والأفكار التي لا يمكن تشكيلها في قصة. * هذا العنوان "وادي المؤمنين" ما علاقته في الرواية؟. -العنوان وإن ظهر مجازياً للقرّاء، فقد كان معناه مباشراً وصريحاً في القرآن الكريم، في قوله جل وعلا في سورة البروج: (السَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُود) 5( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود). صدق الله العظيم. ولأن أحداث الرواية في وادي "ألعُرض" بنجران، والذي يجري حذو الأخدود، فإن المؤمنين هم أهل تلك القرى العظمية، الذي خصص القرآن لهم هذا الذكر وهذه الآيات في المحرقة الشهيرة والأخدود الشهير، واصفاً إياهم بالمؤمنين. كما يبرز من خلال أحداث الرواية وشخصياتها، مدى الإيمان العميق، واستقبال الأهوال والآلام بسكينة الإيمان، التي كأنها تورّث عبر العصور والأزمان لكافة الأجيال النابتة في وادي نجران، أو وادي العُرض، أو وادي المؤمنين. * بدأت الرواية بالحديث بضمير المتكلم على لسان أحد الشخصيات ثم ضاع هذا الصوت، لماذا؟. - نعم.. في أول صفحات الرواية كان المتكلم "صابر"، لكنه كان حينها خارج كينونة القرية والوادي، ممهوراً بالغربة والسفر، ومشتغلاً بالذاكرة، واستمر "صابر" بالقبض على مهمة السارد، حتى عاد إلى "العُرض" والكتلة الاجتماعية، حيث تلاشت فردانيته في الأحداث، واندمج كشخصية وكصوت خارجي إلى التكتل، الذي يجسد حياة قرى "وادي العُرض"، ويعتبر السمة الأبرز في اليوميات، فالبعض مرتبط بالكل، سواءً في السلم أو الحرب أو القرار أو العمل وحتى في توزيع المحاصيل وتنوّع زراعتها. فصوت "صابر" أو المتكلم في البداية لم يضع، بل ترك الغربة وحديث الذاكرة ودخل في خضم الأحداث، ليأتي الصوت من الخارج الوهمي/ الحاضر، لمواصلة سرد الوادي. * يتضح من خلال الرواية الرغبة بتدوين تاريخ منطقة نجران وحشد أكبر قدر ممكن من عاداتها وموروثها الشعبي. هل كانت هذه الرغبة أقوى من قدرتك على توظيفها في رواية؟. - أبداً، قد يظن القارئ أن كثرة طقوس الموروث النجراني التي لا يعرفها، وتتواجد في مقاطع كثيرة بالرواية، هي استعراض أو عسف أو ضكّ لهذه التقاليد داخل السرد، بينما هي نزر بسيط من عادات المجتمع النجراني التي أفضّل أن أسميها "يوميات المجتمع النجراني"، وذلك لأن هذه الموروثات يمارسها أهل المنطقة بانضباط وجدية حتى يومنا هذا، وعلى كل حال، فتقاليد وعادات الموروث في نجران كثيرة جداً، ودقيقة للغاية، وقد يوجد في معظم أحداث الحياة طقوس خاصة لكل حدث على حدة، والرواية وإن حملت شيئاً منها فهي ليست من باب التوظيف أصلاً، بل هي ملمح أصيل من ملامح حياة الوادي آنذاك. * كانت اللغة في بعض أجزاء الرواية تقريرية ومباشرة. ما رأيك؟. - احترم هذا الرأي، وأعرف جيداً أن الروائي/الروائية خلال كتابة العمل يتعرض لمؤثرات كثيرة، خصوصاً مع تنامي أحداث الرواية، وازدياد عُقدها، وتشابك حبكتها، ويحاول جاهداً أن يتلافى ما تتركه هذه المؤثرات من سلبيات في جسد السرد، وقد تكون المباشرة في اللغة ملحّة في بعض المفاصل، لتعبر عن كينونات الشخصيات بكل ما فيها من بساطة أحياناً، وما فيها من تعقيد في أحيان أخرى، لكنها بالطبع لا تصل للتقريرية، فالحفاظ على الصورة الفنية الجمالية في اللغة حاضر كما يتضح للقارئ الكريم. * بصفتك "أنثى" ألم تفكري بكتابة روايتك من وجهة نظر الأنثى أليس هذا أسهل بالنسبة لك؟. - تقول هذا وكأن للأنثى وجهة نظر تكوّنت في كوكب بعيد عن الأرض!. الأنثى مثل الرجل تماماً.. اكتسبا وجهة نظر صنعها التراكم المعرفي الذي تركه الإنسان عبر سيرته في الوجود، ولها بطبيعة الحال همومها وأفكارها التي تخص الهوية والتحوّل والثقافة والعلاقات الإنسانية المعقدة وظروفها التاريخية، ولعل هذه المحاور الكبرى والشائكة هي ارتكازات جلّ الأعمال الأدبية، و"وادي المؤمنين" كعمل فني هو بالتأكيد لم يخرج إلا بقناعة وبوجهة نظر ذاتية لا يمكن تصنيفها بهذه الطريقة أو تمييعها بسبب جنس الكاتب/الكاتبة. * تدوينك لهذا الموروث يحتاج إلى خبرة ومعرفة عميقة هل تعتقدين أنك بحثت جيداً عن كل هذا؟. - عندما شرعت في كتابة الرواية لم يكن همي أن أدون الموروث بطبيعة الحال، فهذا عمل الباحث. ما حاولته هو الاجتهاد لجعل أحداث الرواية تأخذ روح الزمان وطقوسه وشكل الحياة السائدة في تلك الفترة، وقد تحريت الدقة الشديدة في وصف الأحداث وأخذ التفاصيل مشافهة من أفواه الرواة الذين عاشوا ذلك الزمان، ومازالوا يذكرون كيف كانت حياتهم وحياة أجدادهم التي شهدوا شيئاً منها. * يعتبر موضوع روايتك مختلفاً إلى حدما عن ما يكثر تداوله في الرواية النسائية المحلية. ما الذي شدك إلى هذا الموضوع؟ وكيف تنظرين للرواية النسائية المحلية؟. - شدني روعة ذلك الماضي بمكانه وزمانه وشخوصه وحت بالظروف المناخية وقسوة الطبيعة تارة ولطفها تارة أخرى مع سكان قرى الوادي، وكيفية تعاملهم معها كنسيج متحد، وكذلك بساطة الإنسان وحبّه للحياة وتسامحه الذي جعله يتعايش مع الآخر القادم من الأنحاء البعيدة في الجزيرة العربية قبل أن تأتي فصول التشدد والتصنيف القاسية. إن الرواية السعودية إجمالا متقدمة، ومتسارعة في تقدمها، وحققت انجازات وانتشارات واسعة ولم تعد محلية بل هي الآن تقف في طليعة الروايات العربية، وفيها من حقق جوائز هامة كالبوكر والبعض كان من أوائل الأعمال المرشحة لها. * يحتوي تاريخنا الشعبي على الكثير من الحكايات والأحداث هل باعتقادك الرواية كافية لتدوينه وإبرازه؟. - نجحف في حق تاريخنا الشعبي إن اكتفينا بالرواية لسرد حكاياته وقصصه وأشكاله المتعددة، هو كنز ثمين، وهوية صلدة، خصوصاً لو أحسنّا التنقيب فيه واستخراج تلك الجواهر النادرة وتوظيفها في أشكال أدبية وفنية، ستكون باهرة، ولا شك أن تاريخنا الشعبي يحتاج إلى باحثين وكتّاب يسبرون أغواره العميقة، وتظهر بكل أشكال الكتابات والفنون جنباً إلى الرواية، وخصوصاً فنون القصة والمسرح والأفلام وحتى الشعر والفنون الجميلة المتعددة.