×
محافظة المنطقة الشرقية

حزم الصمود .. عينه على «الصعود»

صورة الخبر

يشهد التاريخ أن الشعب المصري قام في الـ 25 من يناير بثورة تاريخية أسقط فيها نظاماً فاسداً، ونادى بحقه المشروع والمقدس في العيش بحرية، وطالب بالعدالة الإجتماعية التي تحفظ له كرامته، ثار الشعب على الفساد والمفسدين، وكانت الشعارات التي رفعتها الجموع تهدف إلى إسقاط نظام بأكمله وليس مجرد إسقاط رئيس، وهذا يعني بالضرورة تطهير كل مؤسسات الدولة، ومحاسبة من خرّب الإقتصاد الوطني الذي هو درع مصر وحماية لأمنها القومى، ومحاسبة من جرّف الثقافة الوطنية وسطّحها، ونهب مقدرات الوطن وعاث فسادا في البلاد والعباد طيلة أربعين عاماً عجافا، وخدع الشعب المصري بمختلف طوائفه عبر منظومة الزيف والخداع الإعلامية المحتكرة من قبل الحكم، وكان الصراع على الحكم ينحصر بين تنظيم الاخوان الارهابي و الحزب الحاكم وأدواته، فريقين يستعرض كل منهما القوة في الحشد والتنظيم واستغلال احتياجات الفقراء والكادحين، وبعد ثورة يناير التاريخية، استطاع التنظيم الإرهابي للإخوان أن يصل إلى سدّة الحكم، بعد أن استمر الصراع بينه وبين الحزب الوطني بعد الثورة، وغابت الأحزاب السياسية والقوى الوطنية عن هذا الصراع بتأثير تجريفها من قبل النظام البائد، وثار الشعب المصري مرة أخرى حينما شعر بخطورة الحكم الكهنوتي على مصر، واسترد الشعب مصر، وكان الشعب المصري منتهى طموحاته أن تتحقق أهداف الثورة عبر سياسات اقتصادية واجتماعية تحقق العدالة الإجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، وهو ما يضمن للمواطن كرامته الإنسانية، وفي ملحمة تاريخية لم تحدث منذ رحيل الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر إلتف الشعب المصري حول الرئيس السيسي يفوضه في تحقيق أهداف الثورة، وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فلم تحقق الحكومات التى ولدت من رحم الثورة أهداف الثورتين التاريخيتين في يناير ويونيو، فقانون عدلى منصور الذي يمنع الطعن على العقود التى ابرمتها الدولة مع رجال الأعمال سمح لمن سرقوا مقدرات مصر وثرواتها أن يتمتعوا بما سرقوه، والقانون الذي يسمح بالتصالح مع من نهبوا مصر وجرفوا ثرواتها قنّن السرقة والإحتيال واستغلال الوظيفة العامة وشرعن الفساد، ويبقى المستفيد من تلك الفوضي الإقتصادية الأقلية الحاكمة من سلطة ورأس مال إحتكاري أو مستغل، وهم لا يزيدون عن 5% من شعب مصر، ومازالوا يتمتعون بثرواتهم التي نهبوها حتى الآن، ويبقى الخاسر والمتضرر من تلك السياسات هو من يتحمل أعباء ارتفاع الأسعار في كافة الخدمات والسلع الأساسية، استهلاكية وغير استهلاكية، وهم السواد الأعظم من الشعب. ولكن الشارع المصري في غالبيته يتساءل: هل هذه سياسات الحكومة أم سياسات الرئيس..!! لقد أكد مقال السيد الرئيس الذي نشر بجريدة وول ستريت جورنال – الأمريكية بتاريخ 27 سبتمبر الماضي أن تلك السياسات هي سياسات الرئيس حيث قال: إن تصحيح الاختلالات المالية بسبب سوء توزيع الأموال، ودعم الطاقة غير المتجددة، وضعف العوائد المالية يكون بإنشاء منصة ديناميكية وتنافسية يقودها القطاع الخاص، من أجل تحقيق النمو، واستعادة الثقة في مناخ الاستثمار وأضاف الرئيس: إن التغيير البارز في السياسات مثل تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة، وتوسيع قاعدة الضرائب، هذا الإصلاح سيأخذ مصر إلى نظام الضريبة على القيمة المضافة والتعديلات المقترحة على الضريبة العامة على المبيعات، بالإضافة إلى نظام الضريبة المبسطة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ما يساهم في زيادة العائدات ويدعم حوافز الاستثمار من خلال زيادة النمو، مشيرا إلى أن مؤشرات النمو بلغت خلال العام المالي الماضي 4.2% . ويتسائل المصريون !! كيف للقطاع الخاص أن يقود التنمية وقد ثار الشعب المصري على هذه السياسات الإقتصادية المجحفة وأسقط نظاما بدأ توجهه إلى هذه السياسات منذ أكثر من أربعين عاما..؟؟ في وقت أشار فيه الرئيس إلى التنمية التى شهدتها مصر منتصف القرن الماضي وهي حقبة خالد الذكر جمال عبد الناصر، حيث قال: (إن الدروس المستفادة من إزدهار الاقتصاد المصري خلال منتصف العقد الماضي، يجري تطبيقها حاليا لضمان الاستقرار السياسي للاصلاحات الاقتصادية، نحن نهدف إلى تحقيق التوازن بين تخفيض العجز المالي للحكومة والإلتزام بتعزيز العدالة الاجتماعية، وهذا يعني أن تكون فوائد ذلك النمو لكل المصريين، وليس لفئة قليلة ). ويقرّ السيد الرئيس بأنه ( كان هناك ضغط كبير على الحكومة كي تتبنى نهجا اقتصاديا شعبيا). لقد حمل مقال الرئيس تناقضا فى الرؤى الإقتصادية ففي وقت يعترف فيه بأن فترة الخمسينات من القرن الماضي شهدت ازدهارا اقتصاديا إلا أن حكومات ما بعد الثورة لم تلتزم بالنهج الإقتصادي الذي كان سمة هذا العصر، فقد كان القطاع العام والرأسمالية الوطنية وليس القطاع الخاص هما قاطرة التنمية، علاوة على أن الرئيس يعترف بأن الحكومة تعاني من ضغوط كبيرة لإتباع نهج اقتصادي شعبوي وهو ما يؤكد أن تلك الضغوط هي من الجماهير الشعبية التى قامت بالثورة دفاعا عن حقها في ثروات وطنها وموارده. وبإختصار شديد، وردا على المشككين ومتبعى سياسات الإنفتاح، وتأكيدا على أن حكومات ما بعد الثورة لن تحقق أهداف الثورة، نقول بوضوح: إن ما يتم تطبيقه في مصر من سياسات اقتصادية معاكس تماما لما تم في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كما أنه لا يوجد الآن عدالة اجتماعية في مصر لتعزيزها، هذا من ناحية، ومن ناحية آخرى فقد أعاد عبد الناصر توزيع الثروة القومية على كل المصريين، واستعاد المواطن المصري كرامته بعد أن استعاد حقه في ثروة وطنه وفي ذات الوقت، حافظت مصر على نسبة النمو الإقتصادي قبل (عدوان 67) ليصل 7% حسب تقرير البنك الدولى رقم «870 أ» الصادر في واشنطن بتاريخ 5 يناير 1976، بل زادت النسبة لتصل في عامي 69 و 70 لـ8% سنويا، والتي تجاوزت معدلات النمو للدول الصناعية الكبرى والتى حققت نسبة نمو تقدر بـ4.5% فقط في نفس الحقبة الزمنية، واستطاع الاقتصاد المصرى عام 69 أن يحقق زيادة لصالح ميزانه التجارى لأول و أخر مرة في تاريخ مصر بفائض قدره 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان، وكان القطاع العام والرأسمالية الوطنية يقودان قاطرة التنمية وليس القطاع الخاص ولا الإستثمار الأجنبي. لقد حقق القطاع العام والرأسمالية الوطنية فائضا في العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار، وبلغ ثمن القطاع العام الذي باعوه بثمن بخس حسب تقديرات البنك الدولى 1400 مليار دولار، هذا من خلال ما يزيد عن 1200 مصنع بين صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية، وفي ليلة وفاة الرئيس عبد الناصر كان سعر جنيه الذهب 4 جنيهات مصرية، وبلغ حجم ديون مصر حوالى مليار دولار ( 300 مليون جنيه مصري ) ثمنا لأسلحة تم شرائها من الاتحاد السوفيتي وقام الروس بعد ذلك بالتنازل عن المديونيات، ولم يكن الجنيه المصري مرتبطا بالدولار الأميركي حيث بلغ سعره ثلاثة دولارات ونصف، وما يقارب من أربعة عشر ريال سعودى بأسعار البنك المركزي المصري، وبعد وفاة (ناصر) بثلاثين عام اختارت الأمم المتحدة عام 2000 السد العالي كأعظم مشروع هندسي وتنموي في القرن العشرين، أما عن نسبة النمو فمن المضحك المبكي أن نظام مبارك الذي ثار عليه الشعب كان يحقق نموا يزيد عن 7% وكان سوء التوزيع يضمن الفقر للشعب والأزدهار للسلطة والأعوان. إن التوجه الحكومي لرفع أسعار الخدمات وفرض القيمة المضافة على الضريبة ورفع أسعار الوقود والكهرباء، وإدارة رأس المال للعملية الإقتصادية يؤدي إلى زيادة الأعباء على المواطن، خاصة أن لا توجد رقابة حقيقية على أسعار المنتجات كافة، كما لاتوجد رقابة حقيقية على تسعير تلك المنتجات من مصادرها، ولعلّ الأمر يكمن في عدم ضبط آليات السوق الذي انتهجته الحكومة نهجا سائدا، وهذه معركة الرابح الأكبر فيها تلك الطبقة التى أحتكرت السلطة والثورة، والخاسر هو الشعب، ونذكر بما فرضته القوى الرأسمالية الغاشمة على الحكومة حيث أجبرتها على إلغاء ضريبة الأرباح بالبورصة. يزيد الطين بلة ويصعب عمل الحكومة الرأسمالية أن الديون زادت عن 2.5 تريليون جنيه مصري، وهو ما يلقي بعبء على الميزانية السنوية يزيد على 350 مليار جنيه خدمة لتلك الديون، هذا في وقت نجد فيه أن أكثر من 80% من قرى مصر بلا خدمات صحية أو إجتماعية وخالية من البنية التحتية من مياه وصرف صحي وطرق علاوة على النقص الرهيب في المستشفيات والمدارس. إن الإستثمار استعمار وتوزيع الأراضي المستصلحة على الشركات والمستثمرين الكبار هو جزء من الفوضى الإقتصادية السائدة ولا يصب في صالح أهداف الثورة، وهو تكرار لتكديس الثروة للرأسماليين وحرمان أصحاب الحق من الفلاحيين والعمال ومحدودي الدخل من حقهم المشروع في ثروات الوطن وموارده الطبيعية. إن جسامة التحديات التى تواجه السواد الأعظم من شعب مصر ممثلة في الفقر والعوز والمرض والجهل والطبقية وتطهير مؤسسات الدولة واسترداد ثروات مصر المنهوبة والقضاء على الفساد والمحسوبية وتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الإجتماعية ، كل هذه التحديات الخطيرة تتطلب ارادة ثورية تترجم لقرارات ثورية فاعلة تعكس عظمة ثورتي يناير ويونيو، ولا يمكن حل كل تلك المتناقضات بقرارات تقليدية، يساند الإرادة السياسية في هذه المعركة الفاصلة ظهير شعبي مشهود له بالوفاء والكفاءة، وتجربة 30 يونيو خير دليل. إن شعب مصر مازال يتطلع إلى تحقيق أهداف ثورتيه التاريخيتين في 25 يناير و30 يونيو، وحقه الطبيعي في العيش بكرامة على قاعدة الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية، ورائدنا قول الزعيم الراحل: ( إن هذا الجيل من شعب مصر العربي جاء في موعده مع القدر لقد كان الثالث والعشرين من يوليو سنة 52 بدأ تاريخ جديد لهذه الأمة الثائرة المناضلة ) ومازال للحديث بقية.. مجلة الوعى العربى