تحاول روسيا العودة إلى منطقة الشرق الأوسط من بوابة سوريا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أن يؤكد أن نفوذ الاتحاد السوفييتي الذي تفكك في تسعينات القرن الماضي وسقط في أفغانستان بتخطيط أمريكي وتمويل عربي، قادر على العودة إلى المنطقة بتخطيط روسي ومن بوابة عربية كذلك، أي سوريا، التي استدعى نظامها روسيا لحمايته من خطر داعش، والذي أصبح يهدد مصالح المنطقة بأسرها بما فيها روسيا نفسها. لم تفهم الإدارة الأمريكية الحالية حقيقة المتغيرات في الوطن العربي، ولم يدرك الغرب خطورة استخدام الفصائل الدينية للحلول محل الأنظمة أياً كان نمطها ودرجة ديكتاتوريتها. لأن ما يحدث اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من المناطق الملتهبة، يؤكد أن الجماعات الدينية ليست أبداً البديل الأفضل عن الديكتاتوريات، وكان من الأجدى للغرب عموماً والولايات المتحدة خاصة أن تبحث عن بدائل مقبولة للحلول محل الأنظمة الديكتاتورية التي تجاوزها الزمن وأثبتت أنها غير قادرة على العطاء والتطور. مواقف أمريكا المتذبذبة وغير الواضحة حيال قضايا الشرق الأوسط، منحت أنظمتها فرصة البقاء، ذلك أن الناس ينظرون إلى البديل الذي سيحل محلها، فإذا كان البديل جيداً دعمته، أما إذا كان البديل سيئاً من نمط داعش وأخواته، فإن الإعراض عن تغيير هذه الأنظمة سيكون هو المفضل لدى الناس الذين اختبروا التنظيمات الإرهابية. لا تبدو روسيا حريصة على العرب، كما يتصور البعض، فلدى الروس الكثير من الأسباب التي تدفعهم لخوض مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة على أراض عربية، صحيح أن ذلك يجيء مغلفاً بتلبية طلب من الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون هناك صراع ساخن بين موسكو وواشنطن يتعلق بمصير مصالح كل طرف في المنطقة. وإذا كانت مصلحة الولايات المتحدة تنحصر في إسرائيل وتأمينها من أي مخاطر من جيرانها، فإن روسيا تريد أن يكون حضورها عبر بوابة عربية للحفاظ على مصالحها، مع عدم إغفال مصالحها مع إسرائيل نفسها، فمن المعروف أن روسيا على علاقة وثيقة بالدولة العبرية ومن المستحيل التضحية بهذه العلاقة من أجل العرب. يدرك العرب أن الحفاظ على روسيا وأمريكا معاً صعب، خاصة في هذه المرحلة، لذلك نجد الانقسامات واضحة بين فريقين أحدهما يؤيد أمريكا وآخر يؤيد روسيا، وكأن قدر العرب أن يبقوا محشورين بين الرؤوس الساخنة الكبيرة، وأن يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا جزءاً من لعبة الكبار التي يمكن أن تسحقهم في إطار صراعاتهم في المنطقة وغيرها. الرؤوس الساخنة تتقاتل من أجل مصالحها ولا تبدي اكتراثاً لهموم العرب ولا إلى طموحاتهم، ومصالح الدول الكبرى إذا اجتمعت لن تكون الشعوب العربية قادرة على حرف مساراتها أو التأثير فيها، لأنها تحولت مع الأسف، إلى مجرد تابعة في معركة خاسرة تدفعها نيابة عن الآخرين. sadeqnasher8@gmail.com