قد تصادفك هذه العبارة وأنت في مقهى، أو في سوق، أو في مجلس، وهي من العبارات المبتكرة التي تفنن في توليفها وتركيبها المخزون اللغوي لمجتمعنا، وهي تلخص بشكل قوي وصارخ، ويمكن أن يطلق عليها مختصر مفيد، حيث أن الجزء الأول كوجا فارسية، وتعني أين، أو من والجزء الثاني مرحبا وهي عربية تعني الترحيب، ولكن الموروث الشعبي بتوليفه للكلمتين اتخذ منهما وسيلة للرفض والاستنكار ولا أحد يعرف ظروف هذا التركيب ولكننا الآن نستخدمهما في حالة التبرؤ من فعل غير لائق، أو من شخص ثقيل الظل أو من تصرف لا يصدر عن حكمة وتعقل. وعندما تستمع إلى أحد مطلقي هذه العبارة فإنك بلا شك تعرف أنه يبرأ موقفه في أي تصرف، ويرفض أن ينسب ذلك إليه، أو أن تربطه بشخص ما علاقة أو معرفة. نحن في أيامنا هذه وفي التطورات المتسارعة والخطيرة التي تحيط بنا نجد أن هذه العبارة تبرز خصوصاً ضد أولئك الذين يريدون أن يسيئوا إلينا ويتدخلون في شؤوننا، ويدسون أنوفهم في كل صغيرة أو كبيرة، متذرعين بحجج واهية، وادعاءات باطلة ويلبسون أصواف الحملان الوديعة وهم يضمرون الشر والحقد والبغضاء والشحناء في نفوسهم المريضة. كما أننا قد نصادف في مجتمعنا من يريد أن يتصيد في الماء العكر، ويرسم حول نفسه هالة البراءة والناصح الأمين، والغيور على مصالح العباد وإذا فتشت عن مكنون ذاته، وجدته يتحين الفرص للإنقضاض على ما يظن أنها فريسته، وإذا أمعنت النظر أكثر في كل كلمة يقولها أو إشارة يلمح بها وكنت ممن يقرأون جيداً لغة الجسد فستجد أنه يدعي الصدق وهو كاذب ويدعي البراءة وهو يتشح بكل أغطية وألبسة المكر والدسائس والمؤامرات. كنا ونحن صغار نستمع إلى هذه العبارة من الكبار، وكنا نستخدمها أيضاً في أمورنا البسيطة والبريئة كأن نخاصم بعضنا بعضاً لأسباب واهية، أو أن يعتدي أحد الأقران على لعبة نمارسها فيريد أحدهم أن يشاركنا دون رغبة منا، فنصرخ في وجهه وأنت كوجا مرحبا وكان الناس يستقبلون ذلك، ويعرفون، خصوصاً إذا في وجههم بعض الحياء، أنهم غير مرغوب فيهم، وصحبتهم باتت ثقيلة فينصرفون، ولكننا أيضاً واجهنا أناساً لا يوجد عندهم ذرة من الحياء ولا يملكون حاسة الذوق السليم، ويظنون أن ما يفعلونه عادي وفي صلب حقهم ومشروعيتهم، فينغصون عليك أوقاتك السعيدة، وقد يصرفونك عن اللعب البريء أو الجلسة اللطيفة أو الصحبة الماجدة، عندها تكون قمة سعادتهم أنهم صرفوك عن اللعب وفضوا جلستك، وفرقوا صحبتك حينها لا تملك إلا أن تقول في ضميرك من هذا الذي يفرق الجماعات، ويكدر صفو العلاقات، ويبيح المحظورات ويخلق الخصومات ويثير النعرات، وتصرخ بقمة رأسك فيه وهذا الدعي ما له وما لنا وهو ما شأنه فينا وكوجا مرحبا. وعلى النقيض إذا وجدت إنساناً راقياً يأتي إليك بأسلوب حضاري، فيه كل الود والترحاب، ويستأذن منك أن يشاركك في الحوار، أو اللعب، أو المشاركة الوجدانية. وقد تجد أيضاً من يقدم إليك النصيحة القلبية الصافية، أو يقدم إليك المساعدة والعون في التغلب على ما يواجهك في الحياة. أو أولئك الذين يتفانون في خدمة الآخرين وتقديم كل وسائل الدعم والمساندة لأصدقائهم وإخوانهم وجيرانهم وأهل حيهم أو وطنهم دون منة أو كبرياء أو إدعاء أو غطرسة فلا تملك إزاء تصرف هؤلاء إلا أن تقول لهم بكل صدق وتجرد وحب: أهلاً وسهلاً، ومرحباً. فما أحوجنا إلى من يساعدنا ويساهم في تغلبنا على مشاكلنا ويسهل أمورنا، ويتفانى في تقديم كل ما من شأنه تبسيط الإجراءات وحل الإشكالات والعقد حينها لا تملك إلا أن تبتسم في وجهه، وتنتقي أجمل العبارات وأصدق الكلمات في الإشادة به والثناء عليه، وتصافحه بكل حرارة، وقد تطبع على جبينه قبلة المودة والرحمة ورد الجميل بنفس راضية مطمئنة، وبقلب مفعم بالحب والعطف، وبيد بها حرارة ودفء العلاقة الإنسانية الراقية. إننا لا نملك إلا أن نقول لكل من يريد بنا شراً، ويحيك من حولنا الدسائس والمؤامرات، ويدق أسفيناً في العلاقات بين الأخوة والجيران والمعارف وشركاء الوطن لا نملك إلا أن نقول له جميعاً وبقوة الإرادة الصلبة التي لا تلين وأنت كوجا مرحبا. وعلى الخير والمحبة نلتقي.