×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم الوطني / مجمع الأمل بالرياض يحتفي مع نزلائه باليوم الوطني 85

صورة الخبر

في مقطع فيديو قصير يتداوله الناس عبر شبكات التواصل الإلكتروني، يظهر الدكتور طارق الحبيب يتحاور مع رجل مصري بسيط من العامة، كان الدكتور الحبيب يحاول أن يشرح له أن التجاهل والتسامح يكون في بعض الأحيان خيرا من رد الإساءة بمثلها، لكن الرجل، كما يظهر كان عاجزا عن استيعاب الفكرة، فاندفع ينسف كل ما كان يقوله الدكتور متوعدا ومهددا بالفتك بكل من يجرؤ على الإساءة إليه! هذا الرجل نموذج لكثيرين غيره، يؤمنون بالفكرة نفسها، وهي ضرورة مقابلة الإساءة بمثلها، فكثير من الناس يرون في تجاهل الإساءة والسكوت عن المسيء ضعفا يشجعه على الاستمرار في إساءته، وهي فكرة قديمة راسخة في أذهان الناس يتوارثونها عن آبائهم فيما يتوارثون من قيم ثقافية، وغالبا الموروثات الثقافية لا يمكن انتزاعها من صدور الناس بسهولة. التباهي بالقوة، والقدرة على مواجهة الشر بشر أكبر منه، موروث ثقافي عربي قديم، منذ أيام (إن كنت ريحا فقد لا قيت إعصارا) و(جاء شقيق عارضا رمحه، إن بني عمك فيهم رماح)، و(ألا لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا). وغيرها كثير مما تتوارثه الأجيال من ثقافة التباهي برد الاعتداء بعشرة أضعافه. التراث الثقافي العربي يزخر بقيم الانتقام والأخذ بالثأر، وتتضاءل فيه قيم التسامح والعفو والارتقاء فوق الإساءة، فهذه القيم الأخلاقية الجميلة نشطت عند العرب فيما بعد مع مجيء الإسلام. إلا أنه مع ذلك، ظل الناس يتناقلون فيما بينهم ما توارثوه ونشأوا عليه من المفاهيم والقيم الضاربة جذورها في أعماق ثقافتهم القديمة، وصدوا عما جاءهم به الإسلام من قيم أفضل وأسمى. ما السبب في ذلك؟ لم قيم الانتقام وممارسة العنف تجذب الناس إليها أكثر من قيم المغفرة وتجاهل الإساءة؟ القيم المعظمة للانتقام تركت أثرا سيئا في حياة الناس، فباتت سببا في وقوع كثير من الجرائم بينهم، واقرأ ما تنشره الصحف ويتناقله الناس فيما يتناقلون من الأخبار، تجد أن أغلبها بسبب شجار تافه، يعجب العقل كيف انتهى إلى ما انتهى إليه! ولا تحسبن ذلك شيئا خاصا بالعامة ينحصر في أوساطهم، فأوساط المثقفين ليست بأفضل حالا، وانظر إلى أساليب النقاش والمحاورة سواء على صفحات الصحف أو صفحات تويتر، أو عبر الفضائيات، تجد أن ما يغلب على الناس الحرص على رد الإساءة بأكبر منها أكثر من الوصول إلى الحق. كلما ارتقى الإنسان في ذاته ورسخت ثقته فيها، قلت رغبته في مواجهة الشر بالشر، ومال أكثر إلى التجاهل والارتقاء فوق الانتقام.