ما كل ما يتمنى المرء وكذلك الشعوب تدركه، خصوصاً إذا كانت الأعاصير عاتية والسفن شراعية أو من ورق، لهذا ليس دقيقاً القول بأن اشتداد الأزمات يعني انفراجها. إنه بالتأكيد يؤدي إلى انفجاراتها. والعالم العربي الآن يعيش لحظات احتدام منها ما هو غير مسبوق خصوصاً بعد حالات التجاذب والاستقطاب إقليمياً ودولياً. وبعد أن أشاعت الثقافة الربيعية مقولات تحتاج إلى فحص وإعادة نظر لأنها باختصار ليست أيقونات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الخلط بين مفهومي الدولة والنظام، ما أدى إلى تفكيك دول وحل جيوش واندلاع فوضى مدمرة لا صلة لها بأي خلق أو ابتكار! ثمة أزمات الآن في عالمنا العربي في ذروة اشتدادها، وما يلوح منها أنه وشيك الانفراج ليس في حقيقته كذلك، لأن الأزمات تفرخ أثناء تفاقمها المزيد من الأزمات التي لم تكن طافية على السطح، والخطوط الحمر التي انتهكت ومنها ما يتعلق بالوحدة الوطنية وسلامة الدولة، حللت سياسياً ما كان محرماً على امتداد التاريخ، فالأوطان لا تقبل القسمة إلا على نفسها، وحين يجري تشطيرها إلى خطوط طول وعرض طائفية أو مذهبية أو حتى جهوية تصبح مدرجة على قائمة الزوال! وهناك فارق بين أزمات تنشأ من الواقع ومن الاحتكاك بين ما يعج به من تناقضات وبين التأزيم المفتعل، أو المستولد بأنبوب أيديولوجي أو عرقي! وما يجعل هذه الأزمات مرشحة للانفجار وليس للانفراج هو التأزيم المصنوع بعناية استراتيجية فائقة وبمهارة قوى تسعى إلى التمدد والبحث عن مجالات حيوية سواء كانت بالمعنى الاقتصادي - السوقي أو بالمعنى الأيديولوجي. من هنا فإن تشخيص الأزمات الآن على أنها عربية المنشأ والتكوين والدوافع هو تشخيص خاطئ وسيكون كل علاج مترتب عليه غير ناجح على الإطلاق. وعلى المستويين الدولي والإقليمي هناك ما يمكن تسميته مسمار جحا لكل طرف يبحث عن قرص في هذا المأتم لأنه ما من أعراس بثياب زفاف حمراء منقعة في الدم! ولو نجح العرب منذ البداية في تعريب أزماتهم واقتراح الحلول لها بعيداً عن لعاب المتربصين لكانوا الآن في حال آخر!