×
محافظة المنطقة الشرقية

منتخب الشباب يصل إلى رام الله للمشاركة في تصفيات كأس آسيا

صورة الخبر

ظلّ الدين سؤالاً وإن كان يبدو إجابة أو ملجأ من السؤال، حتى لدى المؤمنين بأن ثمة حقاً نزل من السماء، فهذا الحق النازل من السماء يحلّ في لغة الأرض ويستنطَق ويُفهم ويُؤول بأدوات الإنسان التي طورها في البحث والمعرفة والعلم والفلسفة والفنون والتصوف أو التأمل. وفي ذلك يبدو التاريخ الديني جدلاً متواصلاً وبلا انتهاء بين الإنسان ونفسه أو مع الطبيعة والكون. لكن بعض المتدينين أنشأوا بذلك أسوأ تجربة إنسانية، وأسسوا لتناقض يبدو عصياً على الحلّ. فالإقرار واجب بأنه لا يمكن فهم الدين وتطبيقه إلا بالفلسفة والفنون، بالنظر إلى الفلسفة بوصفها الأداة المنهجية في معرفة حقائق الأشياء والتي من دونها فإن اللغة، بما هي وعاء النص الديني، لا تمنح المعنى والدلالة والتأويل، او أنه لا يمكن ادراك ذلك ادراكاً صحيحاً. وأما الفنون فهي أداة التعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس والخيال وتحويلها الى معرفة ترشد الانسان وترتقي به. هكذا لا يمكن فهم الدين فهماً صحيحاً من غير فلسفة ولا يمكن تطبيقه تطبيقاً صحيحاً من غير فنون، لكن ذلك يؤنسن الدين وينزع عنه الغيبية، وأسوأ من ذلك بالنسبة الى المؤسسة الدينية أن ذلك يعود عبئاً على الدين نفسه كما العلم... والموارد والضرائب!... ماذا يبقى من الدين عندما يحدث هذا التطور؟ يبقى كله بالطبع، ولكن السؤال الحقيقي: ماذا يبقى من المؤسسة الدينية والسلطة السياسية؟ في الجدل بين الدين والعلم كان العلم يتمدد والدين ينسحب، ولكن ذلك حدث لأن السلطة الدينية مدّت المقدس إلى كل شأن من شؤون الحياة والعلم، ولم يكن ثمة مجال بالطبع للتقدم سوى عبر التقدم وتحسين الحياة والتخفيف من آلام البشر، والواقع أنه كما يقول برتراند رسل لم يعد ثمة حرب بين العلم والدين، ولم يعد الدين هو الخطر على الحريات والتقدم، لكنها الحكومات والأنظمة السياسية الاستبدادية. ويظل التدين الفردي قابلاً للبقاء والاستمرار مهما تقدم العلم، أو أنه ما زالت ثمة حاجة إليه لم يقدمها العلم بعد وربما لن يقدمها، فالدين مرتبط بالحياة الخاصة التي يشعر بها المؤمنون، وطالما أن الدين يتلخص في طريقة الشعور، وليس فقط في مجموعة من المعتقدات، فإن العلم لا يستطيع أن يتعرض له، ولا يملك العلم ما يقدمه في شأن الأخلاق والقيم، لكنه يملك بالتأكيد ما يقدمه في علم الأخلاق. والحال أن المسائل المرتبطة بالقيم، أي المرتبطة بما هو خير أو شر في حد ذاته، بغض النظر عن نتائجه، تقع خارج نطاق العلم، كما يؤكد المدافعون عن الدين بشدة، وهم في نظر برتراند راسل محقون في هذا الشأن. الدين يدرس في عالم العرب والمسلمين دراسة تطبيقية مهنية، فهو لتعليم وإعداد المتدينين والعاملين في مجال الدين (التعليم والإمامة والإرشاد والإفتاء...) وليس دراسة علمية (علم الأديان) كما تدرس العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهذا يجعل عالم فهم الإسلام وتطبيقه على عكس ما يقول المسلمون خاضعاً لمؤسسة دينية تحدد للمتدين فهم الدين وتطبيقه. فالمرجعية الدينية في الإسلام أو المؤسسة الدينية تملك سلطة تنفيذية ومعنوية هائلة تتجاوز التشريع والتطبيق إلى التهديد والعقوبات المشددة، بل تمتد إلى ضمائر الناس وأفكارهم ومشاعرهم! وسيجد من يحاول أن يفهم الدين فهماً علمياً، أو باعتباره موضوعاً للبحث العلمي، نفسه مضطراً إلى أن يلجأ إلى الانتاج الفكري الغربي، فليس ثمة في عالم الإسلام سوى محاولات قليلة خجولة للعلوم الدينية. ليس لدينا لفهم الدين سوى تعاليم وقواعد تقدم لنا باعتبارها أوامر من السماء لا نملك إلا اتباعها وإلا فسوف تطبق علينا في الدنيا عقوبات الردة والزندقة والتفريق والسجن والغرامة والجلد، وفي الآخرة ينتظرنا عذاب شديد تقشعر له الأبدان يحق لمحكمة الجنايات الدولية أن تعتبرها جرائم بحق الإنسانية! ويظل المأزق قائماً ومعقداً ولا يمكن مواجهته بسهولة أو في عجالة، ذلك أن علوم الإنسان ليس بمقدورها إدراك الميتافيزيقي (ما فوق الطبيعي)، ولكننا ايضاً في حاجة الى الإقرار بأنه لا يمكن بلوغ المقدس إلا عبر الإنسان. يقول تليش: ليست الرموز الدينية حجراً متساقطاً من السماء بل هي مترسخة في كل التجربة البشرية، فلا يتيسر لنا فهمها إلا بوضعنا في الحسبان السياق الاجتماعي والثقافي الذي تطورت عبره والذي وقفت ضده في بعض الأحيان. * كاتب أردني