لسبب غير معلوم اكتسبت هي لقب «سياسية» وتحول هو «سيادة النائب» وأصبح الثالث «صاحب البرنامج الأعلى مشاهدة». وبات الجميع يأوي إلى الفراش متأخراً ويصحو قبل الظهر بقليل ويغوص في أعماق التحليل والتفنيد وصب الغضب وتوجيه التهم إلى الإعلام الضائع والكلام الفارغ. ولا يتوقف الكلام أو تنخفض حدة الانتقاد إلا للتفرغ لمشاهدة حلقة جديدة من البرنامج. البرنامج متحول من «توك شو» مسائي ذي سجل حافل من الخبطات التلفزيونية والإنجازات الاجتماعية والمساهمة في ثورات التغيير، ثم العودة للبحث عن دور على الشاشة الصغيرة واحتلال مكانة متقدمة على قائمة «الأكثر مشاهدة». ولأنّ السياسة إلى زوال، والاقتصاد إلى انقشاع، استقر البرنامج الشهير على ابتكار خلطة سرية من خلطات الـ «توك شو». قليل من السياسة وعليها كثير من الإثارة مع رشة أخلاق وملعقة مداخلات ويكون البرنامج جاهزاً لساعات من الهري والهري الآخر. آخر ما كان يتصوره المشاهد المصري الذي تفاعل مع «توك شو» الثورة، ونزل إلى الشوارع مطالباً بالحرية والعدالة (عقب جرعات أمل بثتها البرامج السياسية) أن يجد نفسه مسمراً أمام الشاشة عينها ولكن بهدف متابعة «راقصة البيبي دول» التي كرمها المحافظ، وراقصة الأفراح الشعبية التي رشحت نفسها للبرلمان، والراقصة الأوكرانية الباحثة عن الإقامة المصرية، يستعرضن مواهبهن، ويتحدثن عن مشكلاتهن مع قليل من الدموع وكثير من الآهات، ثم يحين موعد الفقرة المضادة حيث يكون دور المحامي أو السياسي رافع راية الآداب. وفي الحلقات التي لا تكون مشتعلة بالراقصات أو بحماة الأخلاق تهل على المشاهد العروس إبنة الأعوام التسعة، أو الطفلة ملكة جمال المقابر، أو الزوجة المتزوجة من شقيق الزوج. الطريف في الظاهرة هو أن الجانب الأكبر من المشاهدين يبذل جهداً في التعبير عن الامتعاض من قضايا الحلقات. فمن تدوينة غاضبة على «فايسبوك» حيث «عيب أن يهدر الإعلامي المشهور وقتنا في قضايا تافهة» إلى تغريدة على «تويتر» تطالب بمحاكمة الإعلامي الذي توقف عن مناقشة سياسة الدولة ليتفرغ لمناقشة سياسة الراقصات إلى مداخلة هاتفية على الهواء حيث التعبير عن الرفض، تأبى الغالبية هذا الإلهاء الزائد. لكن الرافضين لا يهجرون أماكنهم على الكنبات المثبتة أمام الشاشات. وعلى رغم توافر تنويعة مختلفة وتشكيلة مغايرة، نجد أنّ المستنكرين هم أول المرابطين. يقول أحدهم لزميله: «ما يفعله المذيع فلان وفقراته المثيرة للجدل هو بالضبط ما فعله إعلان ذاع صيته قبل سنوات بسبب «مدام رشا». هذا الإعلان (مدام رشا)، الممثلة المبتدئة الباحثة عن أي فرصة للظهور السينمائي حتى لو كانت غير أخلاقية، كان حديث الجميع بين رافض لفجاجة المعنى ومعجب بجمال المشهد نظراً الى جمال «مدام رشا» ورشاقتها. اليوم، تهلّ «مدام رشا» كل ليلة على المشاهدين. وهم في خضم تشبثهم بها وتعلقهم بمتابعتها لا يفوتهم شجبها والتنديد بمن يستضيفها قبل أن يتأكدوا من انتهاء البرنامج.