في أوروبا المنقسمة بشدة بشأن مدى كيفية التعامل مع أكبر موجة من اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، يتصدر الألمان شعوب القارة من حيث السعي لإنقاذ الموقف، وسواء ألقت الأمواج باللاجئين على شواطئ اليونان، أو رست بهم القوارب في إيطاليا، فإن التيار الأساسي منهم يقصد ألمانيا، القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا والبلد الذي يقدم أكثر سياسات اللجوء السياسي سخاء واستعداداً لمد يد المساعدة إليهم. وقد سجلت ألمانيا 100 ألف لاجئ خلال الشهر الماضي وحده، وبحلول نهاية العام، تتوقع السلطات أن تستقبل نحو 800 ألف من طالبي اللجوء في البلاد، ويرى مراقبون أن هذا العبء هو نتيجة إلقاء دور القيادة على عاتق ألمانيا بحكم واقع الحال. فقد طُلب من برلين بالفعل أن تقود الاتحاد الأوروبي خلال محنة الديون اليونانية، وأزمة أوكرانيا، ولم تحقق برلين غالباً نتائج ممتازة في الأزمتين، ولكنها في قضية اللاجئين، تبلي بلاءً أحسن بشكل واضح. وفي الشهر الماضي تخلت ألمانيا من جانب واحد عن حقها في ترحيل السوريين إلى أول دولة دخلوها في الاتحاد الأوروبي، ووافقت في واقع الحال على السماح لمعظم الوافدين بالبقاء، وقد تجلى هذا في قبول طلبات اللاجئين السوريين بنسبة 87 في المئة بألمانيا. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد صرحت في الآونة الأخيرة بأن «الحق الأساسي في اللجوء ليست له حدود.. وباعتبارنا دولة ذات اقتصاد قوي وسليم لدينا القوة لفعل اللازم». والواقع أن لاجئين سوريين على فيسبوك وصفوا ميركل بأنها «ماما ميركل... أم المنبوذين». وقد فتح الألمان قلوبهم وجيوبهم للاجئين إلى حد كبير مقارنة بأي من شعوب أوروبا الأخرى. ووفقاً لاستطلاع رأي أُجري بتكليف من التلفزيون الألماني ونشرت نتائجه في الآونة الأخيرة، فقد أبدى 88 في المئة من الألمان استعداداً للتبرع بالمال أو الملابس للاجئين، أو فعلوا ذلك بالفعل، بينما أبدى 67 في المئة استعداداً للتطوع لتقديم المساعدة. وصرح 33 في المئة من أفراد عينة الاستطلاع بأن ألمانيا ينبغي أن تستقبل عدداً أقل من اللاجئين، مقارنة مع 37 في المئة أشاروا إلى أنها يجب أن تستقبل العدد الحالي، بينما صرح 22 في المئة بأن عليها أن تستقبل المزيد من اللاجئين أيضاً. ولكن هناك حدوداً لسخاء الألمان أيضاً، فالمطالبون بحق اللجوء هنا من الدول التي لا تمزقها الحروب يحتمل إلى حد كبير أن يُرفض طلبهم، فنسبة قبول الطلبات إجمالاً في ألمانيا تبلغ 40 في المئة. كما أن اليمين المتطرف في البلاد لا يرضيه ما يحدث، وقد تصاعد عنف النازيين الجدد بشكل مثير للقلق بما في ذلك سلسلة من أعمال التخريب التي استهدفت مراكز إيواء اللاجئين، وقد انتقد «روني تساسوفك» نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتشدد في ألمانيا على صفحته في فيسبوك في الآونة الأخيرة، مَن يقارنون بين طالبي اللجوء حالياً في ألمانيا وآلاف الألمان الذين أعيدوا إلى ألمانيا ومعظمهم طردوا من أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. وكتب على صفحته في فيسبوك: «إن الألمان المطرودين كانوا من ذوي الخلفية الثقافية نفسها، ويتحدثون اللغة ذاتها، ولم يحملوا معهم أي صراعات أو مخاطر أمنية... والأمر مختلف للغاية عن لاجئي اليوم». وقد تصاعد عدد الوافدين الجدد، وهو ما يثير مخاوف كثيرة عن مدى إمكانية تكيفهم مع التقاليد الليبرالية في ألمانيا، ويتوقع أن تتكبد ألمانيا الملايين من «اليورو» في توفير فصول تعليم اللغة والدعم الاجتماعي وصيغ المساعدة الأخرى. ويحصل اللاجئ الواحد هنا على سبيل المثال على 350 «يورو» (392 دولاراً) في الشهر، بالإضافة إلى السكن. ومن جهة أخرى، أثار بعض الزعماء في أوروبا مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المخاوف من تعرض «الهوية المسيحية» لأوروبا كقارة للخطر، ولكن ميركل أشارت في الآونة الأخيرة إلى أن الألمان يجب أن يدركوا أن الصورة القومية لألمانيا باعتبارها بلداً مسيحياً وأبيض في معظمه لم تعد مناسبة، وقد انتشرت هذه الرسالة المقبولة بصفة عامة، وكانت بعض الدول، ومنها المجر، ألقت باللائمة على سخاء ألمانيا في إغراء المزيد من اللاجئين على خوض رحلات خطرة من الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا كي يصلوا إلى أوروبا. والواقع أن مهاجرين استوقفهم المجريون في قطار في الأيام القليلة الماضية فهتفوا قائلين «ألمانيا... ألمانيا... دعونا نذهب إلى ألمانيا». أنتوني فايولا* *رئيس مكتب واشنطن بوست في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»