تفقد السندات الدولية لدول الخليج الغنية المصدرة للطاقة جزءاً من ميزتها كملاذ آمن في ظل حقبة النفط الرخيص التي تلوح في الأفق. ولعدة سنوات بدت السندات الصادرة عن دول مجلس التعاون الخليجي الست بمعزل تقريباً عن التقلبات العالمية ليتفوق أداؤها بسهولة على سندات الأسواق الناشئة الأخرى. وبخلاف معظم العالم تمتعت حكومات الخليج بفوائض ضخمة في موازناتها سمحت لها بالإنفاق للتغلب على المصاعب. ووفرت فوائض ميزان المعاملات الجارية وربط العملات بالدولار الأميركي الحماية لدول مجلس التعاون من توترات أسواق الصرف في مناطق أخرى. لكن معظم تلك الفوائض تبخر مع انخفاض النفط إلى أدنى مستوياته في ست سنوات. وأظهرت نتائج استطلاع أجرته «رويترز» الأسبوع الماضي أن معظم الاقتصاديين يتوقعون أن تسجل كل دول الخليج العربية عجزاً في الموازنة هذا العام وأن يسجل نصفها عجزاً في المعاملات الجارية. لذا يعيد المستثمرون النظر في افتراضاتهم عن الخليج. ولم تفلت السندات الخليجية من بيع واسع النطاق شهدته الأسواق الناشئة في خضم اضطرابات الأسواق العالمية على مدى الأسبوعين الأخيرين. وقال محلل سوق الائتمان لدى كومرتس بنك في دبي، أبوستولوس بانتيس: «الانخفاض الحاد في أسعار النفط ولاسيما إذا استمر لفترة طويلة جداً سيفضي إلى إعادة تسعير مخاطر الائتمان لمجلس التعاون». وأشار مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى يونيون انفستمنت برايفتفوندز في ألمانيا، سيرجي ديرجاتشيف، إلى أن أداء السندات الخليجية أسوأ من سندات آسيا وشرق أوروبا، لكن مع تفوقه على سندات روسيا وأميركا اللاتينية في الأسابيع الأخيرة. وقال «لم تعد السندات الخليجية ملاذاً آمناً... نسبياً هي في المنتصف بين سندات الأسواق الناشئة». وارتفع فرق السعر للسندات الدولارية استحقاق فبراير/ شباط 2010 من كيوتل انترناشونال فاينناس، التابعة لشركة الاتصالات القطرية التي تديرها الدولة، قياساً إلى سندات بنك التصدير والاستيراد الكوري الجنوبي استحقاق يناير/ كانون الثاني 2021 إلى 49 نقطة أساس من ثماني نقاط أساس في الأسبوعين الأخيرين. وفي علامة فارقة على تغيّر النظرة قفزت عقود التأمين على الديون السعودية من خطر عدم السداد 120 نقطة أساس هذا الأسبوع لتتضاعف مقارنة مع نهاية يوليو/ تموز. وظل الاحتمال المفترض للتخلف عن سداد الديون السيادية منخفضاً عند أقل من عشرة في المئة. لكن عقود التأمين على الديون السعودية تحركت من نطاق بلدان مثل كوريا الجنوبية عند 73 نقطة أساس إلى جوار دول مثل الفلبين عند 114 نقطة أساس. غير أن انهيار الثقة في سندات دول الخليج مازال يبدو مستبعداً. فالدول الخليجية الكبيرة تملك احتياطيات مالية ضخمة في حين بوسع الدول الصغيرة أن تعوّل على المساعدة من جيرانها إذا واجهت أزمة. وقال بانتيس: «مخاطر الائتمان الخليجية تظل أفضل حالاً من معظم سندات الأسواق الناشئة الأخرى، وذلك بسبب قوة العوامل الأساسية الكامنة وارتفاع التصنيفات الائتمانية وكفاية الاحتياطيات النقدية التي تمكن الحكومات من التدخل ودعم الأسواق إذا اقتضت الضرورة». ورغم ارتفاع الدولار مقابل الريال السعودي في المعاملات الآجلة إلى أعلى مستوى في 12 عاماً في ظل قيام البنوك بالتحوط من مخاطر خفض قيمة العملة يعتقد الاقتصاديون أن المخاطر محدودة. فالمعاملات الآجلة تشير إلى تراجع الريال بما لا يزيد على واحد في المئة في الاثني عشر شهراً المقبلة. وستظل السندات الخليجية محمية بدرجة ما بفضل قاعدة المستثمرين المحليين الكبيرة. فقد جرت العادة أن تقبل المؤسسات الخليجية على شراء السندات عندما يبيعها الأجانب نظراً لخيارات الاستثمار المحدودة المتوافرة لها. وأبلت السندات الإسلامية الخليجية بلاء حسناً نوعاً ما في الأسبوعين الأخيرين بسبب شهية المستثمرين المحليين التي تفوق المعروض. لكن أسعار السندات قد تتباين تبايناً كبيراً من بلد خليجي إلى آخر مع قيام المستثمرين القلقين بتقسيم المنطقة إلى ثلاث فئات على قمتها قطر وأبوظبي والكويت بفضل احتياطياتها المالية الضخمة قياساً إلى عدد السكان الصغير لكل منها. وفي المنتصف السعودية الغنية، لكن بعدد سكان كبير وعجز ضخم في الموازنة، ودبي التي لا تعتمد على النفط اعتماداً مباشراً لكن ديونها كبيرة وستتأثر بأي تباطؤ خليجي. وارتفع فرق سعر الصكوك الدولارية استحقاق 2023 للشركة السعودية للكهرباء التي تسيطر عليها الدولة قياساً إلى سندات استحقاق 2022 لصندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي إلى 44 نقطة أساس من 26 نقطة أساس في نهاية 2014. وفي قاع التصنيف مملكة البحرين وسلطنة عمان اللتان تملكان احتياطيات مالية متواضعة وتعانيان من مستويات مرتفعة لعجز الموازنة. وقال ديرجاتشيف: «أتوخى الحذر بشدة فيما يتعلق بالدول الضعيفة ائتمانيا مثل البحرين، فاحتمال خفض التصنيف إلى عالي المخاطر مرتفع جداً».