×
محافظة مكة المكرمة

نيابة عن خادم الحرمين ،أمير مكة يفتتح سوق «عكاظ 9» غداً

صورة الخبر

كردّ فعل ثائر لمقاطع حوادث التحرّش بالفتيات التي انتشرت مؤخراً، ارتفعت أصوات الناس مطالبة بسنّ قوانين رادعة للمتحرّشين، وازداد لوم مجلس الشورى على رفضه لمناقشة وضع تلك القوانين. وبينما النقاش يحتدّ والجدل يتضخّم، دخلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الخط، وسكبت الماء البارد على غليان الحمم المتقاذفة. كان لتصريح المتحدث الرسمي للهيئة -الشيخ تركي الشليل- وقع الإفاقة من الغيبوبة، فتذكـّر المتجادلون حدودهم وتنبّهوا إلى أنّهم كانوا يخوضون في شؤون الهيئة، لأن قضايا التحرش: «تدخل ضمن القضايا التي تعالجها الرئاسة وفق اختصاصاتها». لنتأمل موقف الهيئة الشجاع والواثق، فهي لم تتهرب من مسؤولية مواجهة الانحراف الشائع، وإن لم يكن شائعاً إلى مستوى الظاهرة كما ترى، وأيضاً هي لم تتجاهله وتنفيه، وحين اعتبرت عدد القضايا قليلا، فهي لم تقارنه بالدول الأخرى، وإنما قارنته بتعقل مع غيره من القضايا التي تباشرها. كذلك هي لم تبرر للتحرش بمظهر النساء، بل انتقدت التحرّش في ذاته ونبذت «هذا السلوك المشين الذي يتنافى مع قيم الإسلام الفاضلة، بل ومع أدنى الأخلاق الإنسانية». الفارق بين موقف الشورى والهيئة شاسع، فالأول اختار العناد وانتصر لفكرة عدم التشريع للاختلاط، والثاني اعترف ضمنياً بالاختلاط القائم، فلو لم يكن هناك اختلاط فكيف نفسّر حضور الهيئة في كل مكان؟ وما دامت الهيئة بيننا في كل مكان، تحمينا وتحافظ على سلوكياتنا وتردعنا، فما معنى كل هذا الخوف من الاختلاط؟ ربما لا نثق ببناتنا العنزات المنفلتات، وربما ظننا أبناءنا ذئاباً وتيوساً، لكن ثقتنا في الهيئة لا تتزعزع، فقد أثبتت لنا على مدى أعمارنا كلنا أنها قادرة على ضبط الأمور، وأن عيون أسودها ونمورها وفهودها لا تنام ولا تسأم. ومن غير الهيئة يمكنه التصدّي لقضية التحرّش؟ بحكم الخبرة الطويلة في تناول العلاقات الشائكة بين الجنسين بشكل عام وخاص، هي الجهة الوحيدة التي تملك حكمة التعامل مع النفوس والظروف والملابسات في تلك العلاقات المتشابكة. ومن غير الهيئة له بين النساء والرجال تلك الهيبة التي ستجعل أيـّـاً منهم يفكر ألف مرة قبل الشروع في مخالفة؟ تلك الهيبة التي تجعل المخطئ والمسيء يفرّ هارباً من إمكانية الوقوع في فعل مستهجن؟ بماذا يفيد القانون إن افتقد جسارة الهيئة وقدرتها على المتابعة والتطبيق دون هوادة أو تكاسل؟ أنريد قانوناً أم عقوبات؟ ثم أنريد عقوبات أم تثقيفًا قيميًا؟ يقول الشيخ الشليل في تصريحه: «إن الهيئة تحرص على تفعيل الجانب التوعوي/ الوقائي في حملات تستهدف تعزيز القيم والأخلاق الإسلامية». وهذا هو التحدّي الباقي أمام الهيئة، أن تدرّب الناس على الالتزام بالخلق السّوي، في حضور أعضائها، وفي غيابهم، وعلى الخوف من الله، قبل الخوف منهم. مؤسسة الهيئة قادرة ومهيأة ومستعدة لمجابهة التحرش وذلك في ضوء تجربتها والإمكانات المتوفرة لها، وطرقها الحاسمة في التعامل مع التحرّش الخفي قبل العلني. إن دخول الهيئة على خط النقاش في أمر التحرّش هو وقفة جادة تستشعر الخطر المحدق بنا، فالمتحرش لا يستهتر بالنساء، بل بقيم المجتمع وبقدرة نظامه الأمني على ردعه ومعاقبته. لا بد أننا سنشعر بالأمان إذ تصدّت الهيئة لهذه الأزمة الأخلاقية، فهي «قدّها وقدود». في المرة القادمة حين تشهد حادثة تحرش، اتصل على 1909، وسيصل المنقذون فوراً لصون الأعراض وحماية الحرمات، وحينها سيتطاير المتورّطون الجبناء كالجراد المنتشر، ومرة تلو الأخرى، ستختفي القضية قبل أن تصبح ظاهرة، ولن يبقى بيننا متحرّش واحد.