في كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هناك من يبارك، وهناك من يعارض أي مفاوضات بينهما، وكلّ له مبرراته ودعاواه، وقد جرب عديد من وزراء خارجية أمريكا طرح الحلول، ولكنهم كانوا مناصيون ومنحازين لوجهة النظر الإسرائيلية ما عطّل أي عمل يقطع ولو نصف المسافة لتفاهم متفق عليه بين الراعي الأمريكي، وأطراف القضية.. جون كيري ليس بقدرة كيسنجر، أو غيره ممن خططوا اتجاه السياسة الأمريكية ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه قد يكون محركاً للسلام تبعاً للعديد من الظروف الدولية المتغيرة، والتي تحيط بالمنطقة العربية في أحداث السنوات القريبة الماضية.. فأوروبا وتبعاً لرؤية مصالحها وصيانتها، ضغطت بعقوبات على إسرائيل بشأن المستوطنات، وإن كان التأثير نسبياً إلا أنه جاء بتنسيق سياسي أمريكي - أوروبي بغية حلحلة قضية تورمت ولم تعد همّاً عربياً فقط، فقد دخلت على الخط دول إقليمية محيطة بالمنطقة مثل تركيا وإيران، والأخيرة، كما تسوغ الدعاية، هي خط نار ساخن مع إسرائيل، وحتى حين يقول رئيس وزراء إسرائيل «نتنياهو» إن «المباحثات مع الفلسطينيين مصلحة استراتيجية وحيوية لإسرائيل» ويعد بإخراج بعض السجناء، فهو لا يضيف بعداً حيوياً، لكن من خلال التصريحات تجد أن أمريكا ربما كانت أكثر جدية في تغيير حالة الصراع إلى توافق يفرز حلاً جديداً.. صقور إسرائيل، وكما تعودنا، وسائل تعطيل، لأن حلم الدولة اليهودية النقية والخالصة لهم بند في معتقداتهم، ومع ذلك يوجد من بين الإسرائيليين من يريدون التعايش ونبذ الحروب ومخلفاتها، لكن الأمر الضاغط بشكل مباشر أن الأحداث المتتالية، لا يستطيع أي مراقب فهم طبيعتها أو نتائجها على المدى البعيد.. فالعراق وسورية في حالة اضطراب جعلت قوى التطرف تدخل لعبة الضغط على أي مشروع سياسي، لأن بغداد لا تزال تعيش قلقاً وصعوبة خلق وحدة وطنية متجانسة أمام حكومة تتبنى مفهوم الطائفة، ولذلك زادت حالة انعدام الأمن، وسورية تأخذ من طبيعة الوضع العراقي أن معارك هائلة تدور فيها، ومهما بقيت إسرائيل في حصانة من مجريات صراعات المنطقة وتقلباتها، فهي مؤثر أمني عليها، وخاصة أن التيارات الإسلامية المتطرفة لا تزال تمسك بقوتها، وحتى مصر التي تغيرت فيها الأوضاع، فقد لا تكون قراراتها رهن الإملاءات الأمريكية - الإسرائيلية، كما كان في السابق بما في ذلك تطورات الإرهابيين في سيناء الذين يبقون هاجساً أمنياً غير معروفةٍ اتجاهاته.. حماس في حسابات مغايرة للسلطة ترى أن هذا المشروع ينبني على تصفية القضية، ومشكلتها ليس فقط عدم انسجامها مع الطرف الفلسطيني الآخر، وإنما انتقالها من دولة لأخرى، والركض خلف تبني وجهات نظرها، وهو ما أكسبها في بعض الظروف تعاطفاً جيداً، لكنها خسرته بعد أن وجدت الطرق مسدودة مع سورية ثم إيران، وأخيراً بدأت في حالة نزاع مع مصر ما بعد الإخوان المسلمين.. التعويل على حل منظور قد لا يكون موضوعياً طالما فشلت طرقٌ ومباحثات سابقة، لكن هل لأمريكا حسابات جديدة تقيس بها معالم الطريق في المنطقة وخارجها، وأن الوقت حان لتغيير مسار المنطقة التي أصبحت فيها شريكاً مكروهاً قد يتطور إلى عداوات، وأن موازين قوى أخرى بدأت تأخذ دورها في إدارة الأحداث العالمية، وبالتالي فأهمية المنطقة تجعلها تبادر إلى حل أهم مشكلة فيها؟ كل ما يجري هو مقدمات لنتائج مجهولة، والسلام مع إسرائيل أحد بنودها ومعوقاتها..