تربطني بالمملكة العربية السعودية ذكريات رائعة فهي وطني الثاني بعد مصر وهي الوحيدة التي يمكن أن أقضي فيها شهر رمضان خارج مصر وأنا سعيد، نحن لا ننسى دور المملكة ولا وقفتها الرائعة بجوار مصر في المحن وهو أمر ليس بغريب على أهلها ولا على خادم الحرمين الشريفين. من المواقف الرمضانية التي لا أنساها في المملكة كان موقفا أمام سوبر ماركت فرنسي شهير وأخطأت ودخلت بالسيارة من الجهة المخالفة ففوجئت بالبوليس وقد حضر وعندما قلت للضابط السعودي أنا أستاذ جامعة فصمم على تشديد العقوبة لأنني المفروض أن أكون قدوة وهو ما يؤكد مدى النظام والانضباط الشديد في المملكة ورضخت للأمر ولكني طلبت من الضابط السماح لي أن أوصل زوجتي للمنزل ثم أعود فكان غاية في الرقي ووافق على طلبي وعندما وصلت البيت طلبت من زوجتي أن تتصل بالإمارة تخبرهم بما حدث لإنهاء الموقف وقبل أن أصل للسجن سبقني بلاغ بالإفراج عني. وبهذه المناسبة أحيي أهل المملكة كلها وأشكرهم كما أحيي أيضا الأردن فلها منزلة كبيرة في قلبي وكذلك الإمارات وأدعو الله أن ينجي سوريا وأن يعود العراق بلدا للأمن والأمان. رغم انشغالاتي العلمية وحياتي الطويلة في أوروبا وأميركا فإنني لا أستطيع أبدا أن أبقى خارج مصر في شهر رمضان إلا لو كنت في المملكة السعودية فدائما ما أحرص على قضاء الشهر الكريم والعيد في مصر لأستمتع بطقوسهما الجميلة والتي أحب أن أقضيها ما بين حي الحسين والسيدة زينب وشوارعهما ومقهى الفيشاوي وقد يندهش البعض من ذلك بحكم تخصصي العلمي ولكن العالم مهنة كأي مهنة ويزيد عن الآخرين في قدرته الأكبر على التأمل والتفكير بعمق يضاف إليها المشاعر الروحانية الخاصة بالشهر الكريم كما أن العلم يزيد الإنسان رفاهية في الحفظ وأن يكون لديه شعور ديني ووطني بالمعنى الحقيقي ولهذا أستمتع جدا بليالي رمضان في أحياء مصر العتيقة. من الذكريات الرمضانية الصعبة تلك التي واكبت المرتين اللتين عجزت خلالهما عن قضاء رمضان بمصر وكانت الأولى أثناء حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والمرة الثانية أثناء حرب العبور في أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وفي الحالتين كانت الظروف أقوى مني ومن قدرة الأسرة على العودة. إحدى هاتين المرتين كانت في ألمانيا والمرة الأخرى كانت في نيومكسيكو بأميركا وأذكر أننا كنا نعيش في منطقة صحراوية غنية بنخيل البلح ولكن لا يقارن رمضان فيها بالوطن. رغم أنني بلغت السبعين من عمري فإنني لدي حنين جارف وشوق كبير لأمي الراحلة ولمائدة الإفطار التي كانت تجمعنا حولها ولطبق الفول المدمس الذي كانت تعده بمهارة ليس لها مثيل كم أشتاق إليك يا أمي اليوم وأتمنى لو عدت ولو لمرة واحدة حتى أراك وأستعيد معك تلك اللحظات الرائعة في شهر رمضان وأنت تضميننا ونحن نلتف حولك في سعادة لا توصف. إنني أشعر بمشاعر فياضة جميلة في رمضان هذا العام بعد أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران) وما فعله شباب مصر في كسر حاجز نفسي رهيب وقد بقيت معهم 3 أيام كاملة في ميدان التحرير ومعي طعامي وكل مستلزماتي دون عودة للبيت أشاركهم الثورة والاحتفال وبهذه المناسبة أبعث برسالة حب إلى الجيش المصري وقياداته العظيمة على وقفتهم بجوار الشعب ورغم كل المظاهرات التي أراها لا محل لها من الإعراب من مؤيدي الرئيس المعزول فإننا سنظل نحتفل بشهر رمضان كيفما نشاء وفي كل الأوقات رغم كيد الكائدين. * عالم عربي في مجال النانوتكنولوجي