لم يظهر على البلدان الأوروبية الأخرى التي تقع في محيط منطقة اليورو سوى قليل جداً من أعراض الأزمة المالية التي تصيب اليونان. وقد وضع المصرف المركزي الأوروبي، ترسانة كبيرة لمنع انتقال العدوى إلى دول أخرى، هذه هي خلاصة تحليل لمؤسسة "جي أي أم" المالية السويسرية. وتقر المؤسسة أنه بعد الاختتام المؤقت للمفاوضات مع اليونان حول إنقاذها من الإفلاس وأزمة ديونها، فإنه ما زالت هناك مخاوف من وقوع أزمة مماثلة لليونان في أوروبا واضحة للعيان، بل هي هاجس عديد من المؤسسات والشركات الأوروبية. وأوضحت أن هذه المخاوف ناجمة أصلاً عن عدد النقاط الصغير جداً الذي تتمتع به بعض اقتصادات منطقة اليورو، ومستوى ديونها، والبطالة، والعجز في حساباتها الجارية. ويقول لـ "الاقتصادية" إنزو بونتيلو، المحلل المالي للمؤسسة، "إن المحادثات الصعبة بشأن الديون اليونانية قد تبقى تُثير المخاوف بين المستثمرين حول مخاطر حصول انتكاسة أخرى لليونان، أو خطر انتقال العدوى اليونانية إلى الدول الأخرى في منطقة اليورو خاصة تلك المصنفة في قائمة ما يسمى بمنطقة "بيجس ـ بي آي آي جي إس" التي تضم البرتغال، وإسبانيا، وإيطاليا، وإيرلندا، إضافة إلى اليونان". ووفقا للمختص في الاستثمارات في "جي أي إم"، فإن بعض البلدان الأوروبية الأخرى الواقعة في محيط اليورو، قد تأثرت فعلاً بأزمة الديون اليونانية، لكن على الرغم من ذلك لن تكون هناك يونان ثانية في الأفق. وبالنسبة له، فإن مسألة خطر انتقال العدوى لا أساس لها، إذ إن المؤسسات الخائفة تغفل حقيقة مهمة هي أن المواضيع الاقتصادية الكامنة وراء الأزمة اليونانية تختلف اختلافاً جوهرياً من بلد إلى آخر. ويقول إنزو بونتيلو، "إن اليونان ظهرت عليها بكل وضوح أعراض أزمة حقيقية للديون، غير أن دولا أخرى في محيط اليورو، على سبيل المقارنة، ظهرت عليها أعراض بسيطة جداً، لأنها سبق أن اتخذت كثيرا من التدابير الاحترازية في السنوات الأخيرة، كخفض الميزانية، والعجز، وحل مشكلات البطالة، أما اليونان، فمن المؤكد أنها اتخذت بعض الخطوات من جانبها، لكنها لم تذهب إلى المدى الكافي ليصبح اقتصادها أكثر قدرة على المنافسة". وأضاف إنزو بونتيلو، أن "المصرف المركزي الأوروبي لا يزال مستعداً لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الاستقرار في منطقة اليورو، بما في ذلك اتخاذ خطوات تمنع احتمالات انتقال عدوى الأزمة اليونانية". وواصل مختص الاستثمارات، قوله "إن الترسانة التي وضعها المصرف تحت تصرفه تسمح له باتخاذ تدابير وقائية جذرية، بما في ذلك تليين جدولة سداد الديون اليونانية، ورفع قدرة برنامج إعادة شراء الاقتراض من الدولة. وإبعاد شبح مخاطر المضاربة، وأن المخاطر الناجمة عن مواقف المضاربين ضد الدين لم تعد جزءًا من الخيارات، وإلا فإننا كنا قد شهدنا الناس تهرع إلى ترتيب أوضاعها عندما كانت الأزمة اليونانية تتفاقم في حساب الساعات". وأشار إنزو بونتيلو، إلى أنه عندما تم وضع إيطاليا في صفوف مجموعة "بيجس"، لم تشهد البلاد زيادة كبيرة في ديونها، ولا في العجز، ولم تكن الميزانية متطرفة في النفقات، والفروق بين الاقتصادين الإيطالي واليوناني تظل لافتة للنظر ولا نرى خطرا لانتقال العدوى إلى إيطاليا. وأوضح إنزو بونتيلو، أن الديون الإيطالية أساسا مملوكة للقطاع الخاص الوطني، خلافا للديون اليونانية، التي هي أساسا مملوكة للمُقرضين الأجانب، وأن مستويات ثروات الأسر الإيطالية هي من بين أعلى المعدلات في العالم، وتتجاوز حتى مستويات الأسر في ألمانيا، وأن إيطاليا تتمتع أيضا بسوق قوية للصادرات بما في ذلك سلع الرفاهية الفاخرة، والآلات، والسيارات، والمستحضرات الصيدلانية، وهي بذلك تتمتع بميزة كبيرة على اليونان. وأضاف المختص المالي أيضاً، أن "النظام التنفيذي في القضاء الإيطالي لا يسمح بالتخلف عن استرداد ديونه في ذمة المؤسسات والشركات وحتى الأفراد، فنظامه في تنفيذ الأحكام القضائية في سداد الديون وملاحقة المتخلفين وتنفيذ الأحكام القضائية لا يُقارَن بما تملكه اليونان". وأشار إنزو بونتيلو، إلى أن النظر إلى سداد الديون بغير جهاز تنفيذي قضائي قوي، هو بمثابة انتحار اقتصادي ومالي للبلاد.