شكلت الرواية- في شكلها العام- جزءا كبيرا من الادب، وعلى الرغم من كل التطورات والتيارات والثورات التي حدثت على كل أجناس الأدب، لكن الرواية ظلة محافظة على نسيجها الداخلي، ولم يحصل أي تغيير فيها غير إدخال مفردات حداثوية وتطوير اللغة وقد ظهرت الرواية في أوروبا بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً في القرن الثامن عشر، والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذيه الأحداث والراوي يعتبر وثيقة تاريخية فهو يجسد الإحداث التي يزامنها ويكون ناقل لنا الصورة كاملة ومعظم الأمم السابقة عرفنا حياتها من خلال إنتاجها الأدبية والفنية. ورواية خلوي للروائي والشاعر توفيق حنون المعموري تعد وثيقة تاريخية مهمة فهي تحكي عن أصعب مرحلة مر بها الشعب العراقي فبعد ان خرج من حرب دامت ثماني سنوات دخل في حرب الخليج وحصار أنهك قوه الشعب تدور إحداث الرواية في التسعينيات وفي تلك المرحلة كرس كثير من الأدباء أدبهم لتغطية الفترة التاريخية التي يمر بها الشعب العراقي حتى ظهر في تلك المرحلة ادب الاستنساخ تتحدث الرواية عن شباب اسمه حازم يحاول السفر الى الأردن بطريقة غير شرعية متسلل عبر الحدود مع مجموعة من الشباب ويواجه صعوبات كثيرة وتنتهي بدخلوه للأردن بمساعد احد الضباط الأردنيين الذي تعاطف معه وفي الداخل الأردن يواجه الكثير من المصاعب والهموم لكن في زحمة كل همومه يتعرف على فتاة وهي بسمة التي تعمل في معمل خياطة قريب من المطعم الذي يعمل فيه فيولد الحب بينهم رغم كل الظروف التي يمر بها وتقرر بسمة مساعدته فهو خريج وتكلم اخيها كي يساعده و يجد له وظيفة وتأخذه معها للبيت وتعرفه على اخيها المدرس وأخيها الضابط، فيكتشف إن أخاها الضابط هو الذي ساعده في دخول الأردن بعد ان عرف ظروفه الصعبة في العراق، ويشعر حازم في داخله انه ارتكب جريمة حين أحب أخت إنسان وقف معه وساعده، ثم انهم عرفوا بظروفه الصعبة وهنا يقرر حازم الرجوع للعراق تاركا خلفه كل شيء وتنهي الرواية بدخوله للوطن يتحدث الروائي في البداية عن معانات الشعب العراقي سبب الحصار والظروف المعيشية الصعبة فيقول:انها لعبة الحياة تتحسس يداي جيوب البنطلون تلوي علي شيء سوى بعض ذر ات لبقايا أشياء لا قيمة لها، واجهات المحلات خاوية تعلن عن إفلاسها يوما بعد يوم الوجوه المتعبة تحمل عيونها غائرة تدور في الرؤوس تحدق في الأشياء المهترئة، بعد ان هرس امعاءهم الخبز الأسود، واتت أعوام الحصار على ما تبقى من نخاع العظام. هذا الوصف حقيقة عاشها الشعب العراق، انطبعت في داخل الروائي الذي ترجم الإحداث بنص أدبي بعد إن وصف حالة التعايش في ذالك الزمن، وقد عبر عن أحاسيس في داخل مواطن عراقي يمر بظروف الحصار وجد كل المحلات شبه مفلسة، ووجه متعبة وعيون فيها الحزن إن الأدب تجسيد فعلي لما يدور من إحداث، ورواية خلوي صورة مطابقة للواقع مع ان فيها حبكة ادبية فهي جنس ادبي أشبه بما كتب نجيب محفوظ، الذي نقل لنا الحياة المصرية من خلال رواياته الكثير وكان يستخدم لغة بسيطة من غير تكليف لكن المعموري استخدم لغة روائية وأطال في وصفه، وهذا ما جعل روائيته أشبه بقطعة نثرية لم تكن بها الإحداث كثيرة، لان الكاتب اعتمد على المقطوعة الفنية أكثر من التصور الحدثي، فنشاهد سرعة الإحداث وصراع الحب، ينتهيان من دون الغوص في تفصيل عميقة يقول الروائيتوفيق حنون المعموري في رواية «خلوي»: صرت شديد الاهتمام بها يومأ بعد يوم حتى انني كنت اقدم لها طبق افطار يختلف عما اقدمه للعاملات الاخريات ازوقه واملأه بالكثير من المقبلات، واضيف اليه زيادة مما لم تكن تطلبه مني، لكنها كانت تبادلني نظرة خجولة كانت على ما يبدو حذرة، مما قد يتحرك في قلوب الناس المحيطين بها مرت شهور ونحن على هذا الحال نتبادل النظرات...«.ان هذا الحب الذي خلق في ظروف غير مناسبة، خلقه معه صراع لم يكن في حسابات حازم بطل الرواية، نعم قد تكون الرواية عبارة عن صراع يزجه الكاتب كي يشد المتلقي، ويتابع الاحداث، ان الفضول عند المتلقي يجعله يتابع كل الاحداث حتى يعرف، نهايى هذا الصراع، ولهذا نجد ان كل روائي يخلق تحدي يجذب به الجمهور وفي رواية همنغواي«الشيخ والبحر»- التي حققت نجاح كبير- فقد خلق فيها همينغواي صراعا بين الانسان والطبيعة وبين الشيخوخة والشباب، كان بالفعل مبدعا في كل التصورات التي طرحها... وكل فرد في كل رواية يملك شخصيتين داخلية وخارجية، وعلى المؤلف ان يشرح لنا كل شخصية وإبعادها، وفي شخصية حازم الداخلية هو شاب وقد وجد فتاة تبادله الحب، ولكن شخصيته الخارجية لا يمكن لها ان تحب فهو جاء من بلد بعيد كي يجمع اكبر قدر ممكن من المال، وكما هو خلوي لا يملك أي أوراق رسمية... وهذا الصراع اقرب لما كتب ماركيز في رائعته الحب في زمن الكوليرة، وفيها صراعان يمر بهما الحب، الجانب الاول الحب والطبقية والثاني الحب والزمن، لكن صراعه المعموري بين الحب والظروف وينتهي بالفشل. اما لغة الراوية كما أسلفت كانت شعرية ادخل بها المعموري لغة الجمال فهو يقول في احد فصولها وهو يصف حدائق: »بدت الحدائق جميلة هادئة اضفى عليها الجو الشتائي اللطيف بهجة امتزجت بالخضرة اللامعة بفضل قطرات الندى المتراكم على اوراق اشجارها واعشابها التي كست جوانب مختلفة من ارضيتها المتناسقة بشكل هندسي بديع الكراسي لبيضاء المتناثرة على ارضية باحة المقهى المستديرة تحيط بها اشجار الياسمين المنسقة اضفت على المكان شيئا من البهجة اعطتها نسقأ هادئا مريحا للنفس«.قد تكون هذه الصور من بنات افكار الكاتب او شاهدها وظلت محفورة في مخيلته، ومن ثم جسدها على الورق والمهم ان الصورة وصلت بهذا الشكل، وللمبدع حق طرح ما يحب من غير شروط فالإبداع ملكية خاصة ويظل المتلقي هو الحكم وصاحب القرار... لقد حاول الروائي خلق حالة تعايش بين المتلقي وما في مخيلته وعملية خلط بين الإحساس والواقع الخارجي... ومع ان حازم هو الشخصية الرئيسة ومحور العمل لكن هناك شخصيات في داخل العمل لها دور مثل سالم صديقه الذي يشاركه الرحلة والعم سعيد الذي يلتقي به في الأردن، لكن الكاتب لم يعطيهم اهمية، فكل الذي عرفناه عنهم من خلال علاقتهم بحازم ولم يعرف الكاتب ماهية شخصياتهم اما بسمة التي احبها البطل كانت العامل الذي حرك الإحداث، وزاد الحبكة جمال وشد المتلقي لمعرفة ما سيجري... وتظل رواية»خلوي«وثيقة تاريخية تحكي عن مرحلة مر بها الشعب العراقي المظلوم... وقد كتب القاص توفيق حنون المعموري مؤلف رواية خلوي في مقدمة روايته: «لم تمر على أي شعب من شعوب الارض فترة زمنية شبيهة بالتي عاشها الانسان العراقي في العقد الاخير من القرن العشرين حيث الحصار والتجويع المتعمد والظلم والقهر والاستبداد والامعان الذي لا مثيل له في الاهانة واذلال الفرد العراقي لذا جاءت هذه الرواية التي كتبت في اواساط تسعينات القرن الماضي لتحكي شيئا يسيرا من الواقع المرير». ينتهي المطاف بوصفه شيئا من ممنوعات الشعب العراقي، الذي لم عرف الراحة، فبعد كل هذه الظروف الصعبة والايام المظلمة دخل الاحتلال الذي حطم البنية التحتية للبلد وجرى ما جرى من الارهاب وغيره وظل الادب بصيص امل في روح العراقيين الذين رغم كل شيء مازالوا يكتبون.