سما يوسف رحل الأمير سعود الفيصل، ولم يرحل من ذاكرة الشعوب.. لم يرحل من القلوب التي تدعو له في ليلة فضيلة (ليلة القدر)، وهو من أبرز الأسماء في تاريخ الدبلوماسية العربية طوال أربعين عاماً.. رجل دولة.. شغل فيها منصب وزير خارجية المملكة العربية السعودية منذ أكتوبر عام 1375 ومن قبلها في وزارة البترول والثروة المعدنية، ومنذ توليه منصب وزير الخارجية والمنطقة العربية في صراع، وله مواقف مشرفة في حل الأزمات.. وشهد مراحل عديدة في تاريخ المملكة.. مع أربعة ملوك من الأسرة الحاكمة بعد والده هم الملوك خالد وفهد وعبدالله وسلمان.. وعمل مع ستة رؤساء في أمريكا ريجان وكارتر وبوش الأب وبوش الابن وكلينتون وأوباما.. تعامله مع الكل جعل العدو يحترمه قبل الصديق. كان شاهداً على أهم الأحداث التي عاشها العالم العربي ابتداء بتوابع نصر أكتوبر، وكان لوالده الملك فيصل دور فيه.. فثورة يونيو، حيث طاف سعود الفيصل على الدول الغربية مؤكداً دعم المملكة العربية السعودية لمصر لأن إرادة المصريين فوق كل شيء.. وكان الدعم السياسي السعودي الخليجي من أهم المواقف التي غيّرت الحسابات الدولية، وانتهاء بما يجري الآن على الساحة العربية من كوارث. الفيصل حاضر لكل مراحل الأزمات العربية ابتداءً بالحرب بين العراق وإيران وسنوات طويلة من الدمار الذي أطاح بثروات البلدين.. ثم كانت مأساة غزو الكويت، وقبل ذلك كان العدوان الإسرائيلي على لبنان والحرب الأهلية واتفاق الطائف وما لحق بالشعب اللبناني من الأزمات.. وما بين سنوات الحرب في لبنان والحرب في العراق وإيران واحتلال الكويت كانت نهاية الرحلة المؤلمة باحتلال أمريكا للعراق، ثم حالة التشرذم التي تعيشها الآن المنطقة العربية.. ابتداء بالحرب في اليمن وانتهاء بما تشهده المنطقة.. وعندما طلب إعفاءه من الملك سلمان كوزير للخارجية لأن جسده أنهكه المرض ولم يقوَ على الجهد والمتاعب الدبلوماسية.. وترك سعود الفيصل فراغاً كبيراً على المستوى العربي والدولي كواحد من أشهر وزراء الخارجية على مستوى العالم، ويجيد عدة لغات ما سهّل عليه التفاهم دون وسيط لتترجم أحاديثه، وكانت خطاباته الدولية ارتجالية لما يملك من موهبة الإقناع والحنكة السياسية ولديه تفاصيل كثيرة عن قصص الصراع في العالم العربي. رحمك الله رحمة واسعة ويجزيك عما قدمت لدينك ووطنك!