مُذ كنت طالبًا في المرحلة الابتدائية وأنا أحلم بأن أكون مميزًا ومختلفًا عن أقراني خاصة أولئك الذين تربطني بهم صلة قرابة أو كما يُقال جماعة، فأحلامي تفوق أحلامهم حتى وإن كانت تتغير - للأفضل بالطبع - حال انتقالي من مرحلة إلى أخرى، ففي المرحلة المتوسطة كنت أتخيل نفسي ضابطًا تزين النجوم كتفي وحينما وصلت المرحلة الثانوية رأيت نفسي طبيبًا أخفف معاناة المرضى، لكن بعد تخرجي منها لم أتمكن من الالتحاق بكلية الطب بسبب النسبة، وحينها رأيت أحلامي تتلاشى أمامي شيئًا فشيئًا حتى وصل بي الحال لأَن يصبح الالتحاق بالجامعة هو منتهى الطموح، فالتحقت بإحدى الكليات الجامعية وقضيت فيها سنوات من السهر والتعب حتى تخرجت وقلت في نفسي حينذاك – خلاص فُرِجَت – وعدت للماضي مستعرضًا شريط حياتي بأكمله، تأملت لحظاته حلوها ومرها، فرحها وحزنها، فشاهدت سنوات من المعاناة والألم والانكسار، ورغم تأثري بما وجدته في ذلك الشريط إلا أنني تماسكت وشكرت الله سبحانه وتعالى على توفيقه لي، وبعدها طرقت الأبواب بحثًا عن وظيفة وفي إحدى مراجعاتي المتكررة تعرفت (عليها) ومنذ اللحظة الأولى للقائنا وجدْتُها متعلقة بي، حيث عاملتني وكأنها تعرفني منذ زمن طويل، وعلمت فيما بعد أن هذا هو أسلوبها مع غالبية الشباب، وبالذات الخريجين منهم. المهم أن السنة الأولى من تخرجي ضاعت بين الذهاب والعودة وتبعتها سنة ثانية وأخرى ثالثة وبعدها شعرت بنوع من الإحباط، فأعدت استعراض شريط حياتي من جديد كنوع من التسلية ولكي أرى ما طرأ عليها من تغيُّر خاصة بعد ظهور تلك العاشقة على مسرحها فوجدت أنها (أي حياتي) تبدلت إلى النقيض تمامًا حيث امتهنت العديد من الممارسات التي يخشى الشخص اطلاع الآخرين عليها وبالطبع كانت تلك العاشقة هي المحرض الأول لي لارتكابها، حيث تحركني كيف شاءت خاصة بعد أن وجدَتني كما يُقال – خالي شغل - فزادت ساعات السهر – الذي كان الهدف منه أيام الدراسة البحث عن التفوق، فتحول إلى البحث عن لذة ومتعة تنسيني طعم مرارة (الانتظار) التي استطعمها كل يوم منذ تخرجي، وليت تلك العاشقة اكتفت بمرافقتي في السهر بل جَعَلَتني (مجرما) حيث أدخلتني السجن أكثر من مرة، أتعلمون من تكون تلك العاشقة؟ إنها (البـطـالة) التي اختارتني ولم اخترها. فهل أجد من ينقذني منها كي أعود عضوًا فاعلاً في المجتمع؟