×
محافظة المنطقة الشرقية

بنك البحرين والكويت يدعم الجمعية المصرفية

صورة الخبر

عندما سمعت خبر رحيل صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، امتلأ ذهني بالمشاهد غير المحدودة للراحل الكبير، والراسخة في ذاكرة مئات الملايين من البشر على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي؛ لارتباط هذه الشخصية بحياة كل إنسان في دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، اللتين كان ولا يزال للدبلوماسية السعودية الأثر الكبير في حل مشاكلهما وسياستهما، إضافة إلى أثرها في الدول والأفراد. وقد يكون هناك الملايين منهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وربما هم تحت خط الفقر بكثير، إلا أنهم جميعا، نساء ورجالا وأطفالا، يعرفون جيدا الأمير سعود الفيصل، وقد انتظروه في يوم من الأيام فجاء ملبيا النداء، ممثلا للمملكة العربية السعودية المتمثلة بالأخوة العربية والإسلامية والإنسانية. كانت المشاهد والصورة سريعة وكثيفة، إلا أن مشهد الأمير سعود الفيصل ومن خلفه الأمير تركي الفيصل في مجلس الشورى السعودي بقي لغزا غير مفهوم وسؤالا من دون جواب بالنسبة إلى العديد من المراقبين السياسيين؛ لأننا لا نعرف في الأعراف السعودية هل يذهب الوزير إلى مجلس الشورى، أو لماذا اختار الأمير سعود الفيصل أن تكون إطلالته من مجلس الشورى بعد غياب طويل؟.. ولكنني بعد سماع خبر الرحيل أعتقد أنني عرفت الجواب: لقد كان ذلك اللقاء هو الإطلالة الأخيرة للأمير الراحل. وهنا يأتي السؤال الثاني: لماذا اختار مجلس الشورى؟ وما الرسالة؟ بدأ حديثه إلى مجلس الشورى السعودي: "أستميحكم عذرا لأنني في طور النقاهة بعد عملية جراحية كانت فيها حالتي الصحية تشبه حال أمتنا العربية.." وهذا اقتباس شبه حرفي لما قاله الأمير سعود الفيصل.. لكن السؤال هو كيف تخطى الراحل الكبير آلامه وآلام أمته في تلك الابتسامة؟ وهي رسالة تعبر عن عمق المعرفة والثقة بالنفس.. كأنه أراد أن يقول للعالم إن المملكة بخير، وكذلك المجتمع السعودي، وأن أمته العربية تعرف كل أوجاعها وهي مصرة على الابتسام مع "الحزم بعودة الأمل". وأعتقد أن تلك الابتسامة اختصرت كل علوم وفنون وبلاغة الدبلوماسية الناجحة على مر التاريخ. أحدَثَ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز صدمة للعالم بأسره بتجديد شباب المملكة العربية السعودية بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، مع جيل من الشباب السعودي في موقع القرار، مع تعيين خلف لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وهو معالي الوزير عادل الجبير أحد أنجح تلامذة سعود الفيصل في الخارجية السعودية. وقد حسد الكثيرون الوزير الشاب لتوليه المركز الأول في الدبلوماسية السعودية. ولكن بعد خبر رحيل الأمير، صرت أسير سؤال جديد: أي تحد دخله الوزير عادل الجبير؟ وكيف سيتعامل مع ذلك الإرث الكبير للدبلوماسية السياسية "الفيصلية" في تاريخ المملكة العربية السعودية؟ وهذا ما يعرفه كل متابع وقارئ لتاريخ الدبلوماسية السعودية، إذ إن الفيصلية الدبلوماسية تمتد منذ تأسيس المملكة حتى هذه الدقائق. ولا أحسد الوزير عادل الجبير على تحدياته، لكنني أحسده على إرث الفيصلية الدبلوماسية. استرجعت متابعتي لإدارة الأمير سعود الفيصل الدبلوماسية في عملية انتخاب المملكة لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن من قبل الجمعية العامة، وكيف أنها بعد أن فازت بأكثرية موصوفة، أعلنت المملكة رفضها العضوية لعدم مصداقية مجلس الأمن وانحيازه، وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. لقد كان لتلك الصدمة الأثر الكبير على تغيير تعامل مجلس الأمن مع القضايا العربية الراهنة. وذلك يذكر بموقف الراحل الكبير الملك فيصل بن عبدالعزيز، مؤسس الفيصلية الدبلوماسية، يوم كان وزيرا للخارجية في عام 1948، وعلى أثر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قيام دولة إسرائيل، إذ كانت رغبته آنذاك الانسحاب من الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل فلسطين. تذكرت موقف الأمير سعود الفيصل في "قمة سرْت العربية" في ليبيا، وخلافه الحاد مع صديق عمره الأستاذ عمرو موسى.. عندما كان يتحدث عن سياسة الجوار العربي، وكان المقصود بها إيران وتركيا.. حين قاطعه سعود الفيصل بقوله: "تتحدث عن سياسة الجوار ونحن نعاني من الاختراق وتدخل الجوار، بالإضافة إلى الخواء الاستراتيجي العربي"، معتبرا اجتماع سرت قمة الهزال العربي.. وقد كانت تلك القمة آخر القمم قبل الانهيار العربي الذي نعيشه الآن. تذكرت أيضا العدوان الإسرائيلي على لبنان عام ٢٠٠٦ وزيارة الوفد الوزاري العربي مع عمرو موسى إلى بيروت، حين خرق الوفد العربي الحصار الإسرائيلي، وبعدها قرر الأمير سعود الفيصل الانتقال مع الوفد مجتمعا إلى نيويورك، رغم أن زيارتهم إلى لبنان كانت مقررة لساعات.. ذهبوا جميعا، وليس لديهم ملابس للسفر مباشرة إلى نيويورك حيث عمل الأمير سعود الفيصل أياما طويلة وصعبة.. وعندما اكتشف سياسة كسب الوقت لإسرائيل، أدار محركات طائرته وأبلغ الجميع أنهم مسؤولون عن كل الضحايا التي ستسقط في كل دقيقة تعطى لإسرائيل. ولم يعد إلى مجلس الأمن إلا وبيده القرار ١٧٠١ الذي أوقف العدوان وجعل من جنوب لبنان المنطقة الآمنة الوحيدة حتى الآن.