ترتبط الطائف بمكة المكرمة بروابط وثيقة، إذ لا تُذكر الطائف إلّا ويأتي ذكر مكة المكرمة معها، حتى في القرآن الكريم ذكرت القريتان «الطائف ومكة المكرمة» معاً؛ ذلك لقربهما الجغرافي والتاريخي، ونجد أن هذا التقارب ينسحب على تعدد السبل (الدروب) التي تربطهما ببعضهما البعض، التي كان يسلكها الحجاج والتجار وقاصدي مكة المكرمة. ويؤكد الباحث التاريخي منصور بن إبراهيم الحارثي، أن الطائف يربطها بمكة المكرمة أكثر من 13 درباً (طريقاً) تاريخياً، وهو أبلغ ما يمكن أن نعبر به عن علاقة هاتين القريتين العظيمتين (مكة والطائف)، حيث كان يسلك هذه الطرق الحجاج، والتجار، ولاسيّما من سكان جنوب الجزيرة العربية، وكذلك أهل نجد، وبذلك فالطائف أحد أبواب الحجاز التجارية الكبيرة. وقال في ورقة قدّمها مؤخراً في منتدى «السالمي» الثقافي: «تقاربت هاتان القريتان أيما تقارب وامتدت جسور التواصل بينهما على جميع الأصعدة منذ نشأتهما، ولعلها استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام: «وارزق أهله من الثمرات»، فالطائف أحد أبواب الحجاز التجارية الكبيرة وأرضه أغنى أراضي الحجاز بعد وادي فاطمة، حيث يحمل ما يزيد عن حاجة أهله من حاصلاته وفاكهته إلى مكة المكرمة وغيرها». وأضاف: «لقد أفاء الله عليها بنعم كثيرة تفيض عن حاجة أهلها، فيكثر فيها السمن والصوف؛ لكثرة القبائل الضاربة في قراها المخيمة على أطرافها، وكلها كانت تعيش من أوبار إبلها، وحليب نوقها، وللماشية و«الأذواد» في الطائف قيمة كبيرة؛ كون ما تنتجه قد يعادل ما تأتي به المزارع الخصبة والبقاع المنبتة، ومتى كثر العاملون في تربية المواشي استفادت البلاد من خيراتها، فكيف بالطائف وأكثر قبائله تقوم على رعاية الماشية، واستدرار إخلافها، والانتفاع من أثمان إنتاجها، وهذا أحد الجوانب الاقتصادية، وغيره الثمار والزرع وغيرها، وكل تلكم النعم وغيرها جعلت بين مكة المكرمة والطائف شبكة من الأوردة والشرايين تصل إلى القلب (مكة)، وتخرج فيه إلى طرف آخر من الجسم قريب منه (الطائف)؛ لتتشكل العلاقة المستديمة، هذه الطرق التي تجاوزت الثلاثة عشر طريقا هي التعبير الأبلغ عن هذه العلاقة، حيث يصل إلى الطائف أغلب حجاج أهل جنوب الجزيرة العربية، وكذلك أهل نجد، أما أهل الطائف فكل له طريق من ناحيته». الطرق الدولية - درب عين زبيدة: وينقسم إلى قسمين، حيث يلتقيان عن قرب من منطقة عشيرة (65 كيلو مترا شمالي الطائف)، وعلى هذا الدرب عدد من المحطات والبرك، مثل: بركة تقع شمال شرق عشيرة بنحو 150 كيلومترا، والبركة والمحدثة والخرابة ويدخل الدرب في أراضي مكة بعد «أوطاس» غرباً. - درب العصبة: ويمر من الطائف يربط بين بلاد ربيع وبلاد بني الحارث وبلاد ثقيف، وهناك سوق في «راما» توجد أطلاله حتى اليوم، ويتفرع هذا الدرب من بلاد ربيع إلى فرعين إحداهما إلى مكة وهو درب «عقبة سلامية»، ويستمر باسم سلامة، فبلاد ثمالة، ثم بني سالم، ثم وادي لية من شرقيه عبر وادي عمقان، ثم زقاق سعيدة ثم اليسرا، ثم وادي النمل فالطائف. - «درب نخلة»: سمي على اسم النخلة المعروفة. - «اليمانية»: لوقوعها في جهة اليمن من مكة، وهو موضع بين الزيمة شمال غربي مكة، وبين السيل الكبير شرقًا، وواديها يربط بين الزيمة والسيل الكبير، ويفضي بسالكيه منها إلى مكة أو الطائف، وقد سلك هذا الطريق محمود صادق باشا، وذكره في كتابه «الرحلات الحجازية 1268ه»، والطريق على ثلاث مراحل كبيرة، كما وصفه: مرحلة من مكة إلى الزيمة، ومرحلة منها إلى السيل، ومرحلة إلى الطائف، به جبلان يطلق عليها الُسَّومان. - «الثنية»: ريع في ديار هذيل شمالي الهدا، وحمى النمور، يسيل منه صدر وادي حنين غرباً، ويمر على قرية «الخلصة» أسفل وادي الشرقة لطويرق، ودرب «الثنية»: هو عبر هذا المسلك الذي يربط بين الطائف ومكة، وكان طريقا للجمالة والمشاة حجاجاً وغيرهم، فهو من الطائف إلى دجنا أو دحنا كما في بعض المراجع ف «وادي قرن»، ثم مملكة في أسفل بلاد «طويرق»، ثم تضاع والخليصة، ف «الثنية» ثم صدر وادي حنين، وتؤثر أكثر أهل الحجاز هذا الطريق لما تجده جمالهم فيه من الراحة، وهذا الطريق الجبلي فيه عقبات أكثرها سهل بالنسبة لغيره من الطرق، وفي أسفل «دحنا» أو «دجنا» شعب يؤتى فيه ومما ناحاه بحصباء المسجد الحرام، و«دجنا» يحدها شرقاً: ريحة، وغرباً: ضلع السنيح، وشمالاً: حزيم فوَّار، وجنوباً: رحاب، وتنحدر مسايله على وادي قرن، وقد سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر ابن هشام في سيرته، لما انصرف من الطائف، حتى نزل «جعرانة»، وكذلك الطبري. - خُرُوب: نقب في جبل بين وادي يعرجِ، والثنية في بلاد هذيل، شمالي حمى النمور، بين الطائف ومكة، وسيل الثنية إلى وادي حنين جهة مكة، ومن هذا النقب درب قديم للحجاج والمسافرين، جمالة ومشاة بين المدنيين وفي لهجتهم «خُرُوب» وهو دون الثنية، وجعل البكري هذا الموضح من ديار غطفان، ولعله موضع آخر اتفق معه في الاسم، والخروب أو الخرنوب نبات، وهو «الينبوت»، له ثمر بها حب أحمر يتداوى به. - درب «صِرّ»: وهو درب قديم من الدروب الرابطة بين الطائف ومكة، يمر بين خروب ويعرج من شمالي جبل كرا من ديار هذيل، وجبالها التي تسيل غرباً نحو حنين والشرائع. - درب «يَعرجِ» و«يَعرجِ»: جبل من جهة وادي نعمان، ويشقه درب يربط مكة بالطائف شمال جبل كرا، وأسفله من ديار بني ملجم من هذيل، وأعلاه لزليفة من هذيل أيضًا، والحساسنة ينتسبون إلى بني الملجم وهم فرع من قبيلة بني قرد بين معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل وقد أورده الأصفهاني في ذكر ديار هذيل، وقال ياقوت الحموي (رسم يَعرجِ) للأصفهاني وصف يقول: جبل يقال له يَعرجِ في طريق يظهر إلى الطائف أسفله لبني ملجم من هذيل، وأعلاه لزليفة من هذيل أيضاً، وزليفة تنسب إلى زليفة بن صبح بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد هذيل، وهو طريق جبلي أسهل من كرا، وأقرب ما بعده من المسالك الأخرى، على أن فيه حرجة، بعد هبوط عسرة يتعب فيها الراكب والماشي، وعلى مقربة منه جبل «تفتفان»، وهو مطل على نعمان، مقابل لجبل كبكب. - درب «كرا»: وهو درب بل ثلاثة دروب شهيرة عبر جبل كرا، من غربي الهدا، بينهما وبين وادي نعمان، والدرب الأول للمشاة، والثاني للجمالة، والثالث للحمَّارة، وهي تتحاذى وتتقاطع في منتصف الجبل، وكانت في القديم من الوعورة بمكان، وإبان تلك الوعورة في ذلك الزمن . يقول عمارة اليمني في كتابه «تاريخ اليمن»: عقبة الطائف مسيرة يوم للطالع، ونصف يوم للنازل إلى مكة، ويمشي في عرضها ثلاثة جمال بأحمالها، وقد رصفها حسين سلامة في عام 430 ه، على وجه التقريب، ثم الطريق الذي افتتح عام 1385ه، وكرا جبل في غابة الكبر والصعوبة صعوداً وهبوطا. هذا ويصف العياشي في رحلته (أحد علماء القرن الحادي عشر)، في كتابه (ماء الموائد) إذ يقول: ولما قربنا من جبل كرا عدلنا يميناً مع بعض تلك الهضاب، وآوانا الحر إلى قهوة بأصل الجبل، بين صخور عظام، حولها ماء صاف، يجري على حصباء كالزبرجد، عذب بارد، سهل التناول للصادر والوارد، ما رأينا فيما سلكنا من بلاد الحجاز مكاناً أشبه ببلادنا منه، ومن الغطاء النباتي فيه شجر (السلم، والأثب، والمرخ)، والجبل وما يتصل به شمالاً وجنوبا لهذيل أهل نعمان. - درب «علق» و«العلقة»، هو: ما يعلق في حلوق الماشية من المياه الآسنة، ودرب «علق» يربط بين الطائف ومكة، عبر مسلك جبلي كرا شمالا، وعفار قريش جنوبا، وعلق تصل سيوله إلى الكر في الروضة عند المحطة، ثم يفيض إلى نعمان، ويحده جنوباً شُعار، وهو من أعلى جبال السراة، ويرى من مكة. - درب «عفار»: وهو نسبة إلى شجر «عفار»، وهو شجر يتخذ منه الزناد، ويمر درب «علق» من جهة كرا شمالاً، ولعل درب «علق» يأخذ اسماً آخر من عفار إلى الطائف، ولذا جاء اسم درب «عفار»، ويأتي على الوهط، ثم ينزل على رأس وادي نعمان، ويسكن عفار الزياديين أو آل زيد. - درب «حدب كلوة»: وهو طريق يشق جبل كلوة الذي يسيل في النعمان، ويربط بين الطائف وتهامة ويقع في بلاد هذيل (آل زيد)، جنوبي عفار. - درب «المحضرة»: مؤنث من المحضرة وهو المرجع إلى المياه، وهو درب للجمالة قديم، مرصوف بالحجارة ومدرج يربط بين تهامة وسراة السوالمة، والخلَّد من هذيل، ويؤتى إليه صعودًا من وادي رهجان، فالمحضرة، ومنها إلى الثنية، ثم الكوثر، فماسنن وسان، ثم يفضي إلى ريع المحرم، وهو جبل بين السوالمة غرباً والخلَّد جنوباً وشرقاً، وهو رأس وادي عميرة للخلَّد. والنازل عبر الطريق يلحظ أن الطريق ينقسم إلى قسمين: شمالاً رهجان فوادي ضِيم وهو لهذيل التدويين جنوباً، وبه شجر السمر، والعرعر، والضهيان، والسلم، والسيال، وذكر ياقوت الحمودي أن هجان واد كثير السيل يصب في نعمان، وهو لهذيل، حيث جاء في كتاب «بلاد العرب» نفس الوصف. - درب «ظبيات»: جمع ظبية، أنثى الظبي، وهو درب آخر يربط المرتفعات الغربية للطائف بتهامة، عبر جبل ظبيان في بلاد الخلد من هذيل من غربي الشفا، ويحده جبل ساق غرباً. - درب «حوية نمار»: من خلف جبل دكا جنوباً (المحمدية) في بلاد بني سفيان وهذيل، وينزل إلى حوية نمار، وهو موضع ماء يسكنها قبيلة القرح من هذيل، ثم وادي السيل، ثم يصعد بين جبلي حبلان وجيلين، ومنه إلى الكاحل فالمليحاء، ثم إلى البيضاء، ثم إلى مكة، ويفرق قبل البيضاء إلى أضم. - عقبة سلامة: وهو درب للحاج القادم عبر جبال السروات من الجنوب، حيث يشق عقبة بهذا الاسم، ويربط بلاد ربيع من جنوبي الطائف بتهامة فالليث، ويسيل على الجوف ويلتقي مع وادي عورش ويسيل إلى وادي الليث، وبه ينبت شجر الطباق والعتم.