مع تعاقب السنين، تمكنت ظاهرة المجالس الرمضانية من تثبيت أقدامها في مملكة البحرين، حتى باتت أحد اللوازم الاجتماعية لشهر رمضان، والذي بات يُعرف في أحد عناوينه بـ «شهر التواصل والتلاقي». ورغم الإرث العريق الذي تحمله المجالس الرمضانية في البحرين، والتي تعود بداياتها بحسب الباحث ومدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي منصور سرحان إلى منتصف القرن الماضي، إلا أن الحالة العامة لها لا تزال تتلمس طريقها لمغادرة أغراض الترف والوجاهة الاجتماعية. ومنذ نشأتها، مرت المجالس التي كانت مرتبطة بكل بيت ويتلى فيها كتاب الله، بتطورات، كان أبرزها ما تم في عقد الثمانينات، حيث بدأت في الانتقال لما يعرف بـ «الجيل الثاني»، والذي خلعت من خلاله المجالس جلباب البساطة، وباتت شبيهة بالمنتديات التي عمّت الكثير من مناطق البحرين، فخلت من تلاوة القرآن الكريم وأخذت بذلك منحىً آخر يختلف عن ما كانت عليه قبل ذلك. ويرى سرحان أن المجالس الرمضانية الحالية تمثل امتداداً للمجالس القديمة في عهد الآباء والأجداد، منوهاً في هذا الصدد بإسهاماتها في توطيد العلاقات المجتمعية، حيث شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً في مجال تناول الموضوعات الجادة والعميقة بما في ذلك الموضوعات السياسية والاقتصادية، عززها تواجد الشخصيات الرسمية والعامة من أصحاب القرار. ويتجاوز الحديث حول المجالس الرمضانية التي تنتشر بالآلاف في جميع المحافظات، مرحلة الترف، نظير الدعوات المنادية باستثمار هذا النوع من الأدوات، بوصفها «أداة للفعل الاجتماعي، القادر على لعب أدوار وطنية جادة». في السياق ذاته، طالب ناشطون وأصحاب مجالس بتوجيه أداء المجالس ناحية تعضيد الحالة الوطنية في البحرين. يعلق على ذلك، الناشط محمد الكويتي بالقول إن «الدور الذي يمكن للمجالس الرمضانية أن تلعبه محدود جداً، على اعتبار أن روادها في الغالب، هم من فئة كبار السن»، مضيفاً «حاولت شخصياً الاستماع لما يدور من أحاديث في عدد من المجالس، ووقفت على حالة الترفيه التى تطغى عليها، حتى بات الغرض من قصد المجالس، الترفيه عن النفس بشكل رئيس». وعن إمكانية دفع هذه المجالس ونقلها لمراحل متقدمة، قال: «هذا ما نفكر فيه حالياً، حيث قدمنا عرضاً لأحد المجالس، من أجل إعداد برنامج يتيح لرواد المجلس المناقشة حول ما يطرح من موضوعات عامة، توصلهم في النهاية لنتائج محددة»، واستدرك «غير أن ذلك، يبقى بحاجة إلى عمليتي إعداد وتحضير، كما أن تنفيذ ذلك ليس متاحاً لجميع المجالس». ونوّه الكويتي إلى أن الأهم من ذلك، قد يتمثل في الزيارات الرمضانية، تحديداً تلك التي تتجاوز المألوف من حيث التنوع في المناطقية والانتماءات الفرعية. بدوره، قال النائب السابق يوسف زينل إن أي مسعى، وخاصة في شهر رمضان الذي يكسب النفوس أريحية أكبر وتقبلاً للآراء بمستوى أفضل، قد يشكل فرصة مناسبة ناحية استثمار أية نقاط بيضاء وتعزيزها، على أمل الخروج من حالة التشرذم والتشظي الطائفي. وأضاف «شخصياً، كنت في وارد إثارة هذا الموضوع في أحد المجالس الرمضانية بمدينة حمد، غير أن تواضع الحضور من حيث العدد حال دون ذلك». وتحدث زينل عن استمرار هيمنة المشكل الطائفي، وعقب «رغم ذلك، نحن مطالبون بكسر هذا الجليد، حتى لو كان الوضع في حال أسوأ مما كان عليه في السابق، فنحن بحاجة إلى مجموعة من العقلاء لحمل راية الدعوة للنأي بمجتمعنا البحريني عن تداعيات الشأن الإقليمي، ولتفادي الانعكاسات السلبية التي يستوردها بلدنا وأن نلتزم في حواراتنا بحدود الهوية البحرينية الجامعة». ولفت إلى أن تَحقُّق ذلك، مرهون بتحلي المجتمع بإرادة صلبة وبترجمة هذه الأفكار لواقع عملي، عبر تكثيف الزيارات للمجالس وطرح الأفكار البنّاءة والهادفة.