أميركا لن تتوقف عن الحرب على الإرهاب وهذا مطلب دولي، ولكن على الخليج أن يسهم في تعريف الإرهاب الذي يجب أن يشمل التأجيج الطائفي والتحكم في المجتمعات تحت مسار القوى الأيديولوجية كما تفعل إيران في المنطقة منذ ما يقارب أربعة عقود مضت.. مازال الوقت مبكرا لمعرفة المبادئ الأساسية التي سوف تقود الرئيس ترامب في منطقة الشرق الأوسط، ولعل السبب أن الإدارة الأميركية الجديدة مازالت لم تحدد الأولويات فكل ما جرى تعبيرات متفرقة حول ما كان يردده ترامب أثناء حملته الانتخابية، وما لم تمر فترة شهر العسل الرئاسي فلن يكون من السهل التنبؤ بمستقبل الرئيس ترامب. الكثير من التحديات سوف تواجهها إدارة الرئيس ترامب في المنطقة العربية التي تعيش منذ أكثر من خمسين عاما زمنا للحرب، وكانت الأقسى بين هذه المراحل هي تلك التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي، حيث تعرضت دول كبرى في العالم العربي إلى تحولات جذرية في منظومتها الأمنية والتنموية والاقتصادية وتحولت في معظمها إلى حرب أهلية طاحنة كما في سورية واليمن وليبيا والعراق. الرئيس الأميركي يواجه تحديات كبرى في الداخل الأميركي، فإلى متى سوف تظل أميركا مشاركة في حروب المنطقة؟ هكذا هي الأسئلة الصعبة، أليس هناك من وسائل تمكن أميركا من الحفاظ على مصالحها دون دفع فواتير باهضة من المال والجنود، وهل يمكن مساعدة المنطقة كي تساعد نفسها لبناء معايير استقرارها؟ كيف يمكن للمنطقة أن تساعد نفسها للخروج من زمن الحرب الذي دام عشرات السنين؟ تاريخيا عانت المنطقة من التشتت في مساراتها السياسية وبدت وكأنها تسير باتجاهات معاكسة لبعضها حيث كانت المنافسة مرتبطة بقيادات سياسية معظمها ديكتاتورية أسهمت في تبني الكثير من الدول العربية لأيديولوجيات ومفاهيم سياسية خاطئة. هل يمكن للرئيس ترامب أن يساهم في بناء منظومة شرق أوسطية وإقليمية فاعلة وقادرة على تبني الحلول السياسية المناسبة للمنطقة؟ العالم العربي اليوم يتخلص من قيادات دكتاتورية ساهمت في القضاء على مقدرات هذا العالم العربي، وخلال الخمس سنوات القادمة سوف يعاد إنتاج البنية السياسية العربية من جديد، ولكن القلق المصاحب لهذه المرحلة هو الخوف من إعادة إنتاج تلك الدكتاتوريات بطرق مختلفة. الحقيقة التي أنتجتها الثورات العربية تقول إن منطقة الخليج بتشكيلاتها السياسية وتكويناتها المجتمعية، استطاعت أن تثبت أنها الأكثر تأهيلا لقيادة الاستقرار في المنطقة العربية، وهذا يتطلب الكثير من العمل السياسي الدؤوب مع إدارة الرئيس ترامب، فالعالم العربي اليوم يفتقد إلى منظمات تجمع دوله وتكون فاعلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للخروج من زمن الحرب في المنطقة الذي يتطلب أفعالا حقيقية. أعتقد أن سيناريو المنطقة في مخيلة الرئيس ترامب ينتظر مبادرة مباشرة من القوى الوحيدة المتبقية في المنطقة والمتمثلة في دول الخليج التي عليها أن تضع أولويات العمل مع الرئيس ترامب، فالحد من تدخلات إيران في المنطقة ومنعها بشكل مباشر من بناء منظومتها الطائفية يشكل أولوية أساسية للمنطقة الخليجية، كما أن تفهم الاتجاه الأميركي الذي يقدمة الرئيس ترامب مهمة مشتركة، وقد يتطلب ذلك مساعدة أميركا نفسها من أجل تخفيف التدخلات الأميركية عسكريا في المنطقة، وهذا لن يحدث دون تقليم جدي للأظفار الطائفية التي ترعاها إيران وحلفاؤها. أميركا لن تتوقف عن الحرب على الإرهاب وهذا مطلب دولي، ولكن على الخليج أن يسهم في تعريف الإرهاب الذي يجب أن يشمل التأجيج الطائفي والتحكم في المجتمعات تحت مسار القوى الأيديولوجية كما تفعل إيران في المنطقة منذ ما يقارب أربعة عقود مضت، ليس هناك اليوم أكثر قدرة في عالمنا العربي من دول الخليج لكي تعمل على قيادة المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وثقافيا من خلال العمل مع القوى الدولية وعلى رأسها أميركا لإعادة رسم علاقات المنطقة وإنهاء النزاعات وعلى رأسها القضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل.