×
محافظة المنطقة الشرقية

مسؤولون وخبراء: تراجع النفط أبرز تحديات اقتصاد الإمارات.. وتخطاها بنجاح

صورة الخبر

يبدو أن مشاهد المجالس التراثية في المملكة أخذت في التزايد، حيث لوحظ في الأعوام الأخيرة انتشارها في المنازل والاستراحات، وحرص أفراد المجتمع على تلك الحاجات التراثية والتركيبة الاجتماعية، من خلال تحويل شرفات منازلهم إلى واحات ومجالس تراثية جميلة يتعايشون فيها بقالب اجتماعي مفعم بالود والتلاحم بين رب الأسرة وأبنائه وأقاربه، في مشهد أكثر من رائع، ليزداد المنظر جمالاً مع أيام شهر رمضان وفي تجمعات الإفطار أو السحور. يجتمع أفراد الأسرة بقالب اجتماعي يعيدهم إلى الزمن الجميل والأشياء القديمة التي كان الآباء والأجداد يستخدمونها، ليمر الوقت سريعاً دون أن يشعر المتواجدون بذلك، فمن يعيش في أجواء الماضي لابد أن يستمتع بما كان عليهم القدماء، فالحياة بسيطة، والأشياء بسيطة، والقلوب أيضاً بسيطة. تواصل ولقاء وقال نائل السرور: إن الإحساس في أهمية التواصل جعلني أُحوّل جزءا كبيرا من منزلي إلى جانب تراثي جميل، بهدف تعزيز الود والتواصل بين الناس والأقارب والزملاء، مضيفاً أن كل أفراد الأُسر والأقارب يجدون الفرصة للقاء، بعد أن ألهتهم مشاغل الحياة وأبعدتهم قسراً عن أحبتهم، لتجلب هذه الجلسات التراثية فرحة اللقاء والتعارف في جو من السعادة والسرور، مبيناً أنه يتخلل تلك الاجتماعات العديد من الكلمات، خاصةً من كبار السن التي تحكي حياة الأمس وخبرة السنين المختزلة في الذاكرة، والتي لا تخلو من الطرافة غالباً وبعض القصص والتجارب، ذاكراً أنه يتخلل تلك الاجتماعات العديد من المسابقات الثقافية والألعاب الفكاهية، مؤكداً على أن حوّل منزله بقناعة تامة بأن الموروث الشعبي هو الذي يعطينا اندفاعاً وتواصلاً لرغبة الكثير في جلسات المكان بطبيعته وهدوئه، ولأمر مهم أنه يعيدنا إلى الزمن الجميل الذي لن ننساه وهو عهد الآباء والأجداد والذي لابد أن نكرسه في حياة الجيل الحالي، مشيراً إلى تحويل جزء كبير من منزله للتراث والجمعات رغبة في أهمية التواصل بكل مناسبات العام. تغيير الروتين وأوضح سلمان الربيعان أن هذه المجالس التراثية الشعبية تنعش الجو بصورة كلية وتبعد عن روتين البيوت، مضيفاً أنه يزداد الطلب على تحويل المجالس بهذه الصورة الجميلة نظراً لرغبة الكثير من الأُسر الاجتماع في مكان واحد، للالتقاء والاحتفال بأيام معينة وفي مناسبات الصيف ورمضان والعيد، وبالتالي تنعكس تلك الاجتماعات على أهمية أثرها الاجتماعي في التواصل والتراحم، مبيناً أن حياتنا الاجتماعية الحالية تعد طاردة لكل الخصائص والعادات، إلاّ أنّ بعض الناس وأرباب البيوت لا زالوا متمسكين بموروثات شعبية تراثية تناقلتها الأجيال جيلاً بعد آخر لإحياء ما كان عليه الأجداد، من خلال صناعة تلك المجالس في المنازل بصورة شعبية جميلة، هدفها التواصل، خاصةً في أيام الشهر الكريم والمناسبات، مما جعل تلك الأسر تعيش في منزل واحد وفي مجلس مخصص. ركن مهم وشدّد يوسف الشغدلي -مهتم بالجانب التراثي- على قيمة المجلس القديم في البيت، حيث يظل ركناً مهماً على الرغم من المنافسة الشرسة من الاستراحات، مضيفاً أنه يظل المكان الذي يحتوي الأقارب والأصدقاء بكل وقار، مبيناً أنه جزء مهم من البيت، فهو محط عناية ورعاية من صاحب المنزل بالشكل والمضمون، ذاكراً أنه على مر التاريخ فالمجلس كان ولايزال يفرش ب"السجاد الرومي" ويزخرف ب"الجص" ويحتوي مقتنيات متميزة من الدلال والأباريق، مؤكداً على أن المجلس القديم عنوان للوجاهة والكرم، وهو ما انعكس على ما يدور أثناء الاجتماع أو ما يعرف ب"الشبّة"، التي تزيد الحضور لحمة واحتراماً متبادلاً، لافتاً إلى أن الكبير له مقام والعالم له احترام وآداب الاستماع والكلام هي فطرة استمرت ولاتزال كلما كانت "الشبة" في مجالسنا، متمنياً أن لا تنهزم تلك المجالس أمام الاستراحات التي لا تهتم بهذا التراث الأصيل. ارتباط عاطفي وتحدث د.عبدالله محمد الفوزان -أستاذ علم الاجتماع وعميد معهد البحوث بجامعة حائل- حول هذا الاختلاف الجذري في حياه الناس بمنظور اجتماعي عميق قائلاً: ارتباط انسان عاطفياً ببعض معطيات ماضيه أمر فطري يدفعه إلى التشبث بتلك المعطيات، وتجديد التمسك بها، مضيفاً أنه على الرغم من التغير الذي تشهده أنماط الحياة وما نشهده اليوم من تمسك البعض بمعطيات الماضي إلاّ أن ذلك يعكس الارتباط العاطفي بينه وبين معطيات ماضيه، فهو من نوع من المحافظة على التراث وإعادة إنتاجه من جديد ولكن بصيغ جديدة تواكب الزمن الحاضر، وتتماشى مع معطيات الماضي والوقت الراهن، فمثلاً بيوت الشعر وتربية بعض الحيوانات اليفة والاحتفاظ بمقتنيات الماضي تمثل حالة عاطفية وإشباع نفسي ومحافظة على إرث اجداد، ومحاولة للتكيف مع تسارع وتيرة الحياة التي قد تفقد انسان بعض مقومات هويته. وأشار إلى أنه لا نستغرب لجوء البعض إلى بيوت الشعر في المنازل لتحل محل المجالس العصرية، فهي تمثل تجسيداً عملياً للمحافظة على التراث، بل وتقلل من رسمية الاجتماعات في المجالس وتمنح خصوصية للعلاقة بين اصدقاء واصحاب، كما أنها تتيح للضيوف مساحة أكبر من الحرية في الحديث وتبادل اراء حول القضايا الحساسة التي يصعب تناولها في المجالس العصرية والتي ربما تقع في مسامع اهل، كذلك تقلل بيوت الشعر من حجم التزامات العائلية وتسمح للمضيف أن يُعد القهوة والشاي وتجهيز المأكولات بنفسه بعيداً عن اهل. أسلوب هندسي وأوضح فهد الجلعود أنه جاء دوران عجلة التطور السريع للنهضة العمرانية التي يشهدها الوطن متماشياً مع التطورات الشاملة، حيث فرضت معطيات العصر أساليب ونماذج معمارية جديدة فيما يعنى في إنشاء المجلس العربي التراثي، مضيفاً أنه لا يخلو أي مجتمع من هذه المجالس الشعبية التراثية الذي تم تزينه ب"الكمار"، وهو الدولاب المصنع من الجبس وحوله الأباريق والدلال والمباخر بأنواعها بأسلوب هندسي رائع، مبيناً أنه أجمل ما في الاجتماع في تلك المجالس في البيوت أنها تعيدنا للزمن القديم في مكان واحد، حيث تشمل ما بين صور الماضي والحاضر لتكون في متناول الصغير والكبير، مبيناً أنها تمثل صور متنفس وفيها من متعة، إذ تتسم بالروحانية والتكافل الأسري والترابط الذي تفتقده الأسرة خلال أيام العام، بل إنها تمثل قيمة معنوية ونفسية لدى الناس. جلسة الأسرة وأشار متعب محمد الحميدي الرمالي -أحد المهتمين بالمجالس التراثية- إلى أن هذه المجالس الخاصة الصغيرة في الملحق الخارجي تحولت إلى شعبية مصغرة، يمارس فيها الجلسة التقليدية المعتادة، بل أنها عززت من قيمة جلسة الأسرة والأبناء في مكان واحد، مضيفاً أنها تُعد بديلة عن إطار أركان البيت الداخلي، مبيناً أن غالبية هذه المجالس تم بناؤها بالطين وعمل ديكورات لها ب"الجص"، مبيناً أنها تمثل خطوة ضمن المحافظة على الموروث، فهي تملك كل عناصر "الديكورات" القديمة من الجدران وكذلك "الفرشات" والمشب، إضافةً إلى أدوات الشاهي والطبخ التي هي من الأثريات، حيث تضيف بُعداً كبيراً للمكان، وتشعر أنك تعيش برائحة الزمن الماضي الجميل، وتتذكر أجدادك وأحبابك في مكان تحلو فيه القهوة و"القدوع" -التمر-.