يرى الكاتب والروائي الدكتور زين عبدالهادي، أن الدور التنويري؛ أحد أهم الأدوار الغائبة في الجامعات المصرية والعربية، مشيراً إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى غياب العلم كفريضة في المجتمعات العربية بلا استثناء، كما يربط بين الدور التنويري للجامعات ومساحة الحرية المتوافرة لها، إذ يقول إنه لا دور للجامعة إذا لم تتحرر من قيود وسيطرة السلطة. الخليج حاورت الأكاديمي والرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق القومية زين عبدالهادي ليوضح لنا أسباب تراجع الدور الثقافي للجامعات. } كان للجامعات المصرية دور مؤثر في الحراك الفكري والثقافي في وقت من الأوقات، لماذا اختفى هذا الدور الآن؟ وكيف يمكن استعادة الدور التنويري للجامعة؟. الأصل في إنشاء الجامعات اعتمد على تجميع وتوصيل المعرفة التي بدورها يمكن أن تشيع التنوير، ولم يكن مقصوداً فقط التنوير الديني بل التنوير بكل أشكاله، من علمي وثقافي وفني إلى جانب التنوير الديني، الذي يُمكن الناس من التعامل بتسامح والتزام المحبة والحصول على المعرفة، ومن ثم إطلاق ذلك في المجتمع. أما عن استعادة هذا الدور، فإن الأمر منوط بالجامعات نفسها، فأحد أدوارها أن تعمل في مجال خدمة المجتمع، ويعد هذا الدور أهم الأدوار الغائبة في الجامعات العربية، وهو دور ليس معيناً بتعليم المجتمع فقط، بل بإصدار الكتب والمطبوعات التي يمكن أن تقوم بدورها في المجتمع من تثقيف وتنوير، ويمكن ببساطة إلقاء الضوء مثلًا على مطبعة جامعة هارفارد أو ستانفورد لنعرف هذا البعد الغائب في الجامعات العربية من ناحية احترام عقل المواطن وتوفير مواد ومصادر معلومات بشكل بسيط ومنهجي، يقوم بتعريف الناس بأدوارهم وبحقوقهم وواجباتهم وكيفية مكافحة الأمراض وزيادة الدخل وفهم العالم بشكل أفضل. ناهيك أيضاً عن أدوارها الإعلامية وقيامها بتنظيم مؤتمرات تصب في مصلحة المجتمع وتغيير مفاهيمه وعاداته وتقاليده، وكذلك كيفية بناء المستقبل، وكيفية رؤية الماضي بشكل صحيح، وتقديم أبحاث علمية واجتماعية تساعد على التخلص من آفات المجتمع وتقضي على العقل الظلامي الذي هو بطبيعته ضد مسألة التنوير والحداثة. } تمتلئ الجامعات المصرية والعربية بالآلاف من الرسائل العلمية المهملة والتي لا تحظى بفرصة للنشر... كيف يمكن أن تستفيد الثقافة من هذه الرسائل؟ الأطروحات والرسائل العلمية لا تكتب ولا توثق ولا تحكم وتناقش إلا بهدف تطبيقها، لكن فريضة العلم غائبة في المجتمعات العربية بلا استثناء، ما يُمهد الأرض لأن تخترق العقل العربي قوى الظلام والتبعية واللامبالاة، وعلى ذلك علينا أن نرى كيف يتعامل الغرب في هذه اللحظة مع ملايين الأطروحات والأبحاث العلمية؛ إنهم يرسمون الآن خرائط في المكتبات الجامعية والوطنية لتاريخ العقل العلمي وأهم النتائج التي توصل إليها حتى لا تُكرر الأبحاث وحتى يتم تطبيق نتائجها، وهذا هو ما نحتاج إليه من خلال فرق عمل من أساتذة الجامعات، وإخصائيي المكتبات، ومن ثم يمكن بث ونشر أهم نتائج هذه الأبحاث بشكل مبسط للقارئ غير المتخصص، وإتاحة ذلك عبر الإنترنت، والدعوة لعشرات المؤتمرات التي يمكنها أن تتبنى خلاصات هذه الرسائل ومن ثم يبدأ التطوير الجمعي. } هل أدى الحراك السياسي الذي تشهده مصر منذ ثورة 25يناير إلى حلحلة ثقافية وفكرية في الجامعات؟. أتطلع بدهشة لما أفرزته ثورة يناير على مستوى الفن والأدب، فقد حدثت تحولات كبيرة في شكل الأغنية والفن التشكيليوالرواية والشعر والقصة القصيرة في مصر وفي بعض الدول العربية، ما يمهد لنهضة مازالت تحتاج للرعاية، لكن ذلك لم يحدث في العلم أو في السياسة، وهو أمر في غاية الغرابة، لكنني أعتقد بوجه عام أن ما حدث في الجامعات من ارتفاع رواتب أساتذة الجامعات، وتطبيق معايير الجودة بشكل صارم؛ يعد أمراً مدهشاً أيضاً لأنه ينبئ بأن هناك تحولات قادمة، لكن في الوقت نفسه تتعرض الجامعات لإخراس صوتها التنويري، سواء بملاحقات أمنية أو قضائية، بل إن بعضها تحول إلى ما يشبه الثكنات العسكرية والسجون، وتتصاعد أصوات جاهلة تقول إن محراب العلم (الجامعة) لا يُمارس فيه سوى العلم فقط، للأسف الشديد إن من أخرس صوت الجامعة سيخرس صوت الوطن، ولن تفيد الأجيال القادمة في شيء، لأن العلم والفن يحتاجان المعارضة لينموا، ومن يظن أن الجامعة للعلم فقط يهدم الوطن ويهدم العقل ويقتل الخيال الإنساني. } لماذا تباعدت المسافة بين المثقف والجامعة؟. العلاقة بين المثقف والجامعة غير موجودة في الأساس، فالجامعة أشبه بمعتقل الآن، والمثقف الموجود هو مثقف فترات الانحطاط الثقافي، التي مرت بالوطن، ما أنتج مثقف مشتبه بقيمته، صحيح أن هناك بعض المثقفين الممتازين، لكنهم قلة للغاية؛ العديد منهم هجر الوطن، ولم يتبق سوى الذين تربوا على مائدة السلطة، فما قيمتهم في الجامعة؟ تحتاج المنظومة العلمية إلى التغيير، ويحتاج المجتمع لمن يقوم بتحريك العقل التبعي المستسلم الراكد، لذلك نحتاج إلى مثقف مختلف، أو ما يطلق عليه المثقف الثالث، هذا الذي أتى من رحم العلم والثقافة معاً ليعيد تشكيل العقل في عالم المعرفة. } كيف ترى علاقة النظام المصري بالجامعات؟ وما توقعاتك لدورها المستقبلي؟. النظام الحالي لا يتطلع للجامعة إلا من باب السيطرة والتحكم والضبط والربط لا شيء آخر، بمعنى أنه لا يراها طرفاً في قيادة الوطن نحو الرخاء والطمأنينة، الجامعة الآن لا بد أن تتخلص من قيود السلطة، وأن تنمو بعيداً عن سيطرة الدولة، وإلا كيف سنبني مجتمعاً ديمقراطياً ينعم بالحرية والانطلاق والرفاهية. لا يمكن للعلم أن ينمو في دولة بعيداً عن الحرية الكاملة، أما المستقبل فيحتاج إلى توقف الفوضى والفساد، وحرية وميثاق مجتمعي وتربية في غاية الأهمية في المدرسة والمنزل، ومن دون ذلك لا مستقبل للجامعة، لكن في الحقيقة هناك علامات مهمة متعلقة بكثير من الشباب أصحاب الموهبة والقدرة على مواجهة الآخر ومواجهة الذات، وطالما ذلك مستمر فأعتقد أن المستقبل سيكون إيجابياً للغاية.