قلّما يحلّ عربي ضيفاً على اسطنبول قادماً من الدول العربية، من دون أن يكون قد خصّص جزءاً من سعة حقيبته لكتب، تلبيةً لتوصيات من أصدقاء مقيمين في المدينة، حيث تعكس ظاهرة «توصية الكتب» في جانبها الاجتماعي، حالة من «خطة استقرار» وأحياناً انسداد الأفق أمام الخروج إلى مكان آخر. يرتبط كثر من العاملين في المجالين الثقافي والإعلامي، بالعمل مع مؤسسات باللغة العربية، وسُجّل خلال سنوات اللجوء السوري افتتاح مكاتب صحافية وإذاعات ومراكز بحثية، وعدد كبير من المشاريع التي يُنتظر إطلاقها قريباً، لكنّ أياً من هذه المشاريع لم يحظَ باحتفاء كما حظي به افتتاح المكتبة العربية الأولى في اسطنبول. توافد حشد كبير من السوريين لحضور مظهر آخر من مظاهر «التوطين الثقافي» للسوريين في حي فاتح باسطنبول، وهي المدينة المفتوحة تاريخياً على اللاجئين ونشاطاتهم، بدءاً من يهود الأندلس وحتى مسلمي البلقان خلال الحرب العالمية الأولى، والمكوّنة أساساً من اندماج عشرات الأعراق التي توافدت إلى المدينة، خصوصاً في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين. والمقيم السوري في اسطنبول أكثر تقبلاً لفكرة أن يكون «سورياً اسطنبولياً» خلال مدة إقامته فيها، فهنا لديه مطاعمه وخيّاطوه وسماسرة الشقق السكنية وفرق غناء ارتجالية في شارع الاستقلال، وتضاف أخيراً إلى القائمة مكتبته. المأمول أن تلبّي المكتبة حاجة عدد كبير من القرّاء وتعفي زوار اسطنبول، خصوصاً القادمين من مصر ولبنان والأردن، من مشقّة حمل الكتب في حقائب السفر، أو إرسال كتب عبر البريد وشركات الشحن، لكن هذا لا يعني التسليم بالانطباع الذي يقول إن هناك حالة تعطّش الى اقتناء الكتب، قد يصحّ القول إن هناك تعطّشاً الى القراءة. يطمح القائمون على «مكتبة صفحات» في حي فاتح، إلى تلبية الحاجتين: القراءة والشراء. وتقول أليسار حسن، وهي من القائمات على المكتبة، لـ «الحياة»، إن «صفحات» ليست مجرد متجر لبيع الكتب، بل سيتمكن القارئ من استعارة الكتب أيضاً، كما تضمّ مقهى للقراءة ومساحة لنشاطات ثقافية وترفيهية وعرض أفلام، وخُصّص ركن كامل لكتب الطفل. وتشير هذه الوظائف المتعدّدة إلى سعي القائمين على المكتبة إلى جعلها ملتقى ثقافياً يضم في جنباته كتباً للبيع والاستعارة، وهذه الخطط تحتاج أولاً إلى استمرار المشروع، وأحد أهم التحدّيات هو مستوى المعيشة العام للسوريين، إذ تكاد «الطبقة الميسورة» تكون بلا وزن أمام عشرات الآلاف من الذين لا يبقى لديهم فائض من الرواتب التي يتقاضونها في أعمال موقّتة، بالتالي قد لا تكون التقديرات غير الرسمية لأعداد السوريين في اسطنبول (نحو نصف مليون)، عاملاً كافياً لنجاح مشروع قائم على بيع الكتب، أمام العامل الأكثر أهمية وهو مستوى الدخل والأولويات. ولتدارك ذلك مبكراً، تطرح المكتبة نظام استعارة الكتب، فيستطيع القارئ قراءة ما يريد إما في المكتبة نفسها، أو أخذ كتب لمدة محدودة بمبلغ يقل كثيراً عن سعر الكتاب الذي يزيد دولارين تقريباً عن سعر الكتاب الأصلي. لكن صغر حجم المكتبة نسبياً، والعدد المحدود من النسخ المعروضة لكل كتاب، قد يسببان مشكلة تضارب بين الشراء والاستعارة مستقبلاً. ومن الواضح أن الكتب المختارة للمكتبة تأتي في سياق «تجريبي» في الوقت الحالي، ريثما يتم التعرف الى حاجات القراء، ليكون التركيز تالياً على مجالات محدّدة تهم أكبر فئة من رواد المكتبة، التي تضم في نسختها الافتتاحية كتباً في مجالات سياسية ودينية وأدبية وثقافية وترفيهية، مع نسخ إنكليزية وفرنسية لبعض الروايات، وفق المسؤول الإداري للمكتبة سامر القادري، الذي أضاف أن العمل على المكتبة، من طرح الفكرة إلى تنفيذها، استغرق شهرين. لا يربط القائمون على المكتبة نجاحها ببيع الكتب فحسب، بل بنشاطاتها غير الربحية أيضاً، فـ «عُرف التوصية» من الخارج سيبقى بالتأكيد منافساً، إضافة إلى المنافسة الأخطر، وهي احتمال بقاء شراء الكتب بغرض القراءة بعيداً من «أولويات» غالبية السوريين أمام حاجات المعيشة اليومية.