فلسطين هي اليتيم في أرض العرب، والملهاة لأوروبا وأمريكا، والتجاهل التام من عالمها الإسلامي، وفي داخلها كل شيء غير قابل للاتفاق، وفي هذه الأجواء تصبح مسألة الحوار والسلام عبثاً سياسياً كلّف الفلسطينيين ليس الخسائر المعنوية وقلة الاهتمام إلى حد النسيان فحسب، وإنما التوسع الاستيطاني الذي فاق كل ما رتبه وأعطاه بيريز، وبناه شارون بما قام به نتنياهو، ولذلك فكلّ المساعي التي تديرها أمريكا بواسطة وزير خارجيتها «جون كيري» ليست إلا كحلاً يزول بسقوط أولى الدموع من إحدى العينين. فأمريكا من المستحيل أن تكون وسيطاً شريفاً محايداً، وهي في صلب أي مباحثات تقدم الولاء للسلطة الإسرائيلية وأنها المعنية بالدفاع عن أمنها وسلامتها وتفوقها العسكري على كل العرب، وهذه الرعاية لانجدها لأي حليف لها في أوروبا أو أي بقعة في العالم.. المشكل مع باراك أوباما الرئيس الأمريكي، يختلف عمن سبقوه لأنهم يظهرون مواقفهم الصهيونية علناً، دون مواربة لأنه ليس لديهم ما يخفونه أو يخافون عليه، لكن أوباما الذي ولد من أب مسلم وتربى في بلد يدين بالإسلام، لاحقته التهمة بأنه يتعاطف مع هذا الدين لدرجة أن متطرفين وضعوه على لائحة الاتهام بأنه شيوعي.. وبصرف النظر عما يدور في دهاليز الضغط سواء من الحزب الجمهوري، أو المعارضين له داخل حزبه، إلاّ أن ما قام به في ولايته الأولى ووعد به، ناقضه في أول موقف تجاه سورية، وربما أن عقدة الإسلام المتهم بها جاءت كمشكل يريد التبرؤ منه بفعل يُقنع الأمريكان والإسرائيليين أن توجهه ينحصر بدوره كرئيس أمريكي خالص الولاء لبلده، وأنصاره وتحديداً الحليف الإسرائيلي.. المباحثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي مجرد فسحة سياسية أو ملهاة لدور مفقود، والوقائع أثبتت أن كل رؤساء أمريكا منذ ترومان وحتى أوباما هم مقيدون بسلسلة الحزام الإسرائيلي الذي طوّق المؤسسات الاقتصادية الكبرى، والإعلام والمرشحين لمجلسيْ الشيوخ والكونجرس، وخلفهم دوائر أجهزة المخابرات والأمن، وبالتالي فأوباما لن يكون الاستثناء في فرك أذن نتنياهو أو حتى مخالفته على الاستيطان وبناء الحوائط وبقية الشروط التي يفرضها ولا يطرحها لمجرد الحوار.. الأجواء العربية المضطربة لا تساعد على مواجهة الواقع الراهن لأن إسرائيل فهمت كل الرسائل من ممانعات الأسد، ومقاومة إيران وجهة العرب للصمود والتصدي، وهي مواقف أُفرغت من معناها وحقيقتها قبل أن تسقط كمشروع وتبقى للشعارات فقط، وعلى ذلك ف(كيري) كأسلافه حامل أفكار مكررة وغير عملية، بل إن الضعف الفلسطيني يراه أكثر تسليماً بالشروط المطروحة، لأن الأرضية التي يقف عليها باتت تضيق عليه كمكان جغرافي للحياة، ومع الأيام قد لا يجد الأرض وتبقى حكايتها مجرد تاريخ يروى لزمن إسرائيلي بدلاً من الفلسطيني.. فالحروب أُقفل عليها بسبب عجز عام، ويراها من يجاورون إسرائيل بأنها عملية عبثية بل ويبحثون عن السلامة منها، وما تُجعجع به إيران ليس إلاّ دعاية يقبلها السذج من العرب وإلاّ فهي شريك استراتيجي في ظل كل العهود بما فيها عهد خامنئي.. هل يسلّم الفلسطينيون بأن قضيتهم أُريد لها أن تكون خارج الزمن، وأن بقاءها صوتاً فقط لا يغير من الواقع على الأرض بدولة إسرائيل على كل الأرض؟ هذه الحقيقة هي ما يجري في سياق زمننا المهزوم، وعلينا أن نقرأ الحقيقة كما هي بدون تزييف أو إنكار للحقائق..