وصف خالد الشريف الوكيل السابق لوزارة الدفاع في ليبيا والقيادي السابق في «المقاتلة» تنظيم «داعش» بأنه «الضلع الثالث في مثلث أعداء ثورة 17 فبراير» (2011) وذلك لارتكابه «جرائم قتل وترويع بحق المواطنين». وقارن الشريف الذي يعتبر أحد أبرز القياديين الإسلاميين الداعمين لـ «فجر ليبيا»، ارتكابات «داعش» بممارسات قائد «الجيش الوطني» الليبي الفريق خليفة حفتر الذي «اقتطع ما يقرب من نصف مساحة ليبيا»، وأيضاً ما يسمى «جيش القبائل» الذي قال أنه «موال للنظام السابق» ومن معه من مسلحين تحصنوا في الجبل الغربي، وتحالفوا مع «عملية الكرامة» بقيادة حفتر. وفي حديث إلى «الحياة» أوضح الشريف، السجين السياسي في نظام العقيد معمر القذافي، ملابسات مغادرته منصبه في وزارة الدفاع قبل استكمال إعادة بناء الجيش في المناطق التابعة لسلطات طرابلس، وقال: «عندما نتحدث عن إعادة بناء الجيش، لا بد من أن نضع في اعتبارنا أن هذا الأمر ليس هو المشكلة الوحيدة التي تعاني منها ليبيا، إذ لو كان الأمر كذلك، لتيسر حلها وتجاوزها». وأوضح أن «ليبيا تعيش مجموعة من المشاكل المتداخلة والمتراكمة، وأهمها عدم الاستقرار السياسي وضعف التخطيط المصحوب بفقر التنفيذ، وانعدام الإدارة في مختلف الأجهزة مثل الأمن والشرطة والاستخبارات، إضافة إلى انتشار السلاح في أيدي الناس بدرجة كبيرة وبعيداً من الضبط». واضاف: «على رغم ذلك، اتخذت بعض الخطوات النابعة من الإرادة والعزيمة، ومنها تدريب وحدات عسكرية في الداخل والخارج وتخريج الكثير من الضباط، وإعادة صيانة وتأهيل بعض المعسكرات التي تعرضت خلال معارك التحرير للتدمير والنهب. لكن الكثير من الخطوات لم يستكمل لأن النوايا وحدها لا تكفي. فالبلاد تحتاج إلى استقرار سياسي يتيح للمسؤول مجالاً ليخطط ثم ينفذ، وهو ما لم يتوافر خلال السنوات الأربع الماضية، فالحكومات تتبدل كل سنة أو أقل، وما إن يبدأ المسؤول في التعرف إلى عمله حتى يستبدل». وزاد أن «بناء الجيش يحتاج إلى استقرار ووقت، وهدوء عكّرته الصراعات في الشرق والغرب والجنوب، وحتى في العاصمة، غير أن الإيجابية الوحيدة في الغرب تمثلت في عدم وجود انقسامات كالتي حدثت في شرق البلاد منذ أيار (مايو) 2014». كما أكد الحاجة إلى «تصحيح مفاهيم بعض الذين يعتقدون أن إعادة بناء الجيش هي إعادة المنظومة السابقة كما كانت وبث الروح فيها من جديد»، الأمر الذي أعاق إعادة البناء ورفد الجيش بدماء جديدة من الثوار الذين شاركوا في معارك التحرير. تغوّل «داعش» وعن رأيه في أسباب «تغول» تنظيم «داعش» في ليبيا، قال: «إذا تكلمنا عن التغول فهو تغول أعداء الثورة عموماً بمختلف أطيافهم»، لافتاً إلى أن «داعش استولى على جزء من البلاد وبدأ ينفذ عمليات ضد أبناء الشعب الليبي وضد أفراد الجيش» التابعين لرئاسة الأركان الموالية لسلطات طرابلس، و «شكل بذلك مثلثاً معادياً للثورة يضم حفتر وجيش القبائل يشن تمرداً مسلحاً ضد السلطات الشرعية» المتمثلة بالمؤتمر الوطني العام. واعتبر أن مواجهة هذا التهديد الثلاثي «يحتاج إلى توحيد الجهود ووضع أولويات واستراتيجيات كما يحتاج إلى استقرار سياسي». وعن مدى جواز مقارنة «داعش» بالذين كانوا بالأمس متحالفين لإسقاط نظام معمر القذافي وكانوا إخوة ورفاق سلاح في ثورة 17 فبراير، أجاب: «الأيديولوجيات مختلفة بالتأكيد، ولكن ما يجب النظر إليه بإمعان هو الأفعال. فحتى الناس في الشارع تختلف أيديولوجياتهم وتتباين آرؤاهم، لكن هل تؤدي اختلافاتهم إلى القتل أو إلى خصام مسلح؟ هذا هو لب المشكلة». وأردف: «الذي يمارس القتل أياً تكن توجهاته، يقوم بذلك من أجل غنيمة أو مال، و يجب ألّا نميّز بين أيديولوجيا هذا أو ذاك لأن النتيجة واحدة، فيها دماء تسفك وأرواح بريئة تزهق، وهذا أمر أوجد عدم استقرار أمنياً وأضعف الحكومة والدولة عموماً، وفتح الباب لأطماع الدول الأخرى. لذا، ينبغي أن ننظر إلى نتائج الأفعال ليكون تقويمنا صحيحاً، وعليه تكون قوة مقاومة الأفعال». وزاد: «بالطبع، فإن المنتمين إلى داعش، وضعوا أصولاً مخالفة للدين وأحكام الشريعة وأخذوا، في ضوئها، يعادون غيرهم ويكفرونه، ونحن نرى أن المهم دائماً، هو توفير الأمن والاستقرار للناس، والمحافظة على أموالهم وأرواحهم ويجب ألا يسمح لأي إنسان بأن يمارس القتل والإقصاء وكل انتهاك في هذا الاتجاه، يجب وقفه عند حده بغض النظر عمن يمارسه، وما هي أفكاره ومنطلقاته». المصالحة والعفو ورداً على سؤال عن موقفه من مجموعات من مصراتة شريكة في الثورة أصدرت بياناً دعت فيه إلى الحوار والسلم، وما تردد عن رفض المفتي الصادق الغرياني هذه الدعوة، أجاب الشريف: «لا أعتقد أن الشيخ المفتي رفض الدعوة إلى السلم، لكنه نبه إلى أن تكون الدعوة إلى السلم والمصالحة تحت نظر وموافقة ولي الأمر المتمثل الآن في المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ». وأضاف: «ولي الأمر يعلن الحرب وكذلك السلم، ولا ينبغي أن ندعو إلى الحرب من تلقاء أنفسنا وكذلك الحال بالنسبة إلى السلم». وتابع: «دعنا من المزايدات السياسية التي يحاول الكثيرون توظيفها في غير اتجاهها، فالسلم والصلح مطلب الجميع والحرب مدمرة ولا يريدها أحد، حتى من كان مكرهاً عليها. لكن يجب أن يكون هناك أساس للسلم والمصالحة ونتمنى أن تتحقق الأهداف المنشودة لهما، من تسليم المطلوبين للعدالة وتجميع السلاح الثقيل الذي يمثل وحوده خارج سلطة الدولة خطراً على الجميع . ويؤسفنا جداً أن نرى إخوة لنا نازحين عن ديارهم وبيوتهم ومدنهم». وعن مدى ارتباط حل الأزمة المستفحلة في ليبيا بتشريعات مثل قانون العفو العام، أجاب: «أعتقد أن حل الأزمة الليبية وتعجيله ليس مرتبطاً بقوانين مصالحة وطنية أو عفو عام، بدليل أن الثوار لم يعاقبوا من أذنب في النظام السابق، بل كثر ممن كانوا يعملون في ذلك النظام ولم يتورطوا في جرائم ضد المواطنين ولم يعرف عنهم تورطهم في فساد أو إهدار للمال العام، تم العفو عنهم وهم الآن طليقون. أما المسؤولون الذين ارتكبوا جرائم ومتهمون بتبديد المال العام ونهبه، وهم قلّة، فباتوا في يد القضاء ليقول كلمته حيال ما ارتكبوه في حق الشعب الليبي. مع ملاحظة أن الذين يدركون فظاعة جرائمهم في حق الشعب الليبي فروا إلى خارج البلاد». وأردف أن «المشكلة ليست في المصالحة بحد ذاتها، إنما في أولئك الذين ارتكبوا جرائم وكانوا مسؤولين في النظام السابق، وتوافرت لهم فرصة القيام بإصلاحات ولم يفعلوا طيلة العقود الأربعة الماضية، ومع ذلك، ما زالوا يبحثون عن أدوار ويصرون على أن يكونوا هم في سدة الحكم والسلطة. فكيف يستقيم ذلك؟». ومضى يقول: «إذا كان على أساس التجربة فقد جرّبوا على مدى 42 سنة تسلموا فيها مقاليد البلاد، ورأينا إلى أين أوصلوها بسياساتهم وتفكيرهم. لذا، يجب أن يتراجعوا إلى الخلف ويقتنعوا بأنهم أتيحت لهم الفرص ولم يحسنوا فيها وعليهم التنحي جانباً وترك المجال لغيرهم من شباب هذا الوطن». وفي موضوع الفساد وتقريري ديوان المحاسبة لعامي 2013 و2014 اللذين كشفا إهداراً ونهباً للمال العام قدر ببلايين الدولارات، رأى الشريف أن «الدولة عندما لا تكون لديها أجهزة رقابة ولا أجهزة أمنية وتعطّل فيها القوانين، يتنامى فيها الفساد وعلى كل الأصعدة، بسبب انعدام الوازع الأخلاقي، فينهب المال العام وتحدث انتهاكات للقوانين والأعراف». وعزا ذلك إلى «هشاشة السلطة والقوة المناط بها تطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام، فلا توجد شرطة قوية لتبحث وتتقصى، ولا أجهزة رقابية تكتشف مواطن الضعف».