×
محافظة المنطقة الشرقية

بلدية الفجيرة تزين الشوارع وتكثف الحملات في رمضان

صورة الخبر

يحاول الحوثيون، ومن خلال ماكينتهم الإعلامية التي يدار جُلها في بيروت، أن يسرقوا الخطاب الإعلامي إمعانا في تضليل الجمهور اليمني أولا، والعربي ثانيا. أزمة الحوثي في مكانيين؛ الأول طهران، والثاني صنعاء؛ ففي طهران أولا، هناك إصرار على تصدير الثورة، وهي محاولة للركض إلى الأمام لتبرير فكرة «ولاية الفقيه» التي قال بها سيد روح الله موسى خميني، ووصل من خلالها إلى الحكم، فقد كانت الشيعة الاثني عشرية في جُل تاريخها، وبعد صراع تاريخي طويل مع السلطة الزمنية في مراحل مختلفة من تاريخ المسلمين، وفي عدد من الأماكن التي فقدت فيها زعماءها بالقتل والتصفية، قد ركنت إلى فكرة أن مصارعة السلطة الزمنية هي مضيعة للجهد وصدام دائم لا طائل من ورائه، لذلك ركنت إلى ترك السلطة الزمنية، والاعتناء بالتراث الاثني عشري بانتظار ظهور المهدي المنتظر. سيد خميني نفسه لم يكن في معظم أعماله خارج هذه الدائرة، فله كتاب معروف صدر في عام 1944 وعنوانه «كشف الأسرار»، يذهب إلى ذلك المنحى، بوجوب ترك السلطة الزمنية لأصحاب السياسة. لأسباب تاريخية معروفة في صراعه مع سلطة الشاه، ومعارك التحديث التي سطرها تاريخ إيران المعاصر، تحول إلى فكرة «ولاية الفقيه»، وتضافر عدد من العوامل المتداخلة، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه من شكل هجيني للدولة الإسلامية في إيران، فيه «دستور» مكتوب، وولاية فقيه مطلق السلطات! إنما الأزمة بدأت في الوقت الذي انفكت فيه أزمة أخرى، ولأنها أزمة هيكلية تتجلى في ربط العلاقة بين الوصول إلى السلطة والثورة الدائمة! التي تبرر ولاية الفقيه، وإذا لم يصبح جواز «الثورة على الثورة قائما!!»، فلا بد من «تصدير الثورة» الذي نشاهده في المحاولات الكثيرة حولنا، خصوصا في الخاصرة العربية التي تبرر أيضا بعض مقولات «الثورة أو الانتظار»، وشهدنا تحولا من الدفاع عن الفكرة في إيران إلى الدفاع عن الفكرة معجونة بالمصلحة خارجها! وزادت الأزمة تعقيدا، عندما وجد أن تصدير الثورة يعمل بشكل متعاكس، فهو يرغب في فعل ذلك في اليمن والبحرين والعراق، على سبيل المثال، ويؤيد حتى العظم الثورة المضادة في سوريا! ذلك ما أسميه الأزمة الهيكلية، من انحياز إلى «المظلوم» إلى انحياز إلى «الظالم». في المقلب الثاني أن الحوثيين، وهم من الفرقة الزيدية التي كانت تؤمن بـ«الثورة الدائمة» تاريخيا، اكتشفوا أن «الزيدية الحقة» الثورة الدائمة، وهي التي تطبق في إيران! فالتحقوا بها، وعلى مقاس شروطها، ليس دون تشجيع وإغراء وتمويل، فأصبح هناك توافق في الأهداف، ونضج هذا التوافق نتيجة للظروف التي ألمت باليمن، من فساد وتمسك بالسلطة وضمور التنمية. المعادلة هي إبقاء سلطة الملالي في طهران دون «ثورية» داخلية، أي العودة إلى التساكن بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، ومن جهة أخرى إحاطة المدن المقدسة في الجزيرة العربية تمهيدا للقفز عليها من خلال «تصدير الثورة»، على أساس الفكرة القائلة إن «المهدي» سوف يظهر في عاشوراء في مكة أولا، ثم ينتقل إلى النجفّ! من هذا الوهم الذي صاحب الفكرة التوسعية الإيرانية، يمكن تحقيق هدف الإمبراطورية الفارسية في ثوب مذهبي. قهر الآيديولوجيا هذا هو الذي أوقع الحوثي في تناقض سرقة الخطاب، فهو من جهة يضمر شكلا محددا من الحكم في اليمن، هو عودة «الإمامة» بشروطه الخاصة، التي لا يستطيع أن يهضمها الجمهور الأغلب في اليمن، وفي الوقت نفسه يعلن خطابا شبه حديث في ترسيخ الحرية والتنمية لشعب اليمن، مع رسم صورة سلبية لمناوئيه (المقاومة) بأنهم لا يخرجون عن اثنين؛ إما «تكفيريون» أو «قاعديون»! وهذا التصنيف الأخير يرجى منه تخويف الجبهة الداخلية من جهة، وإغراء الخارج «الغربي» من جهة أخرى، لتكريس إسلام سني وحشي تتماهى فيه المقاومة الشعبية اليمنية مع الدواعش! قلت في البداية إن أزمة الحوثي في مكانين، ووصفت الأول، أما الثاني فهو انتهازية سياسية لدى مجموعة صالح ذات الشبكة المتداخلة المصالح، التي بنيت وتربت لسنوات طويلة على الفساد، وتولت إفقار اليمن في الثلاثين سنة الماضية، وملء جيوبها الخاصة فقط، فهي تدافع عن مصالحها. ما لدينا هو «خطاب نكوصي» بكل ما يعنيه المفهوم، مغلف بشعارات للتعمية أو التضليل.. خلق الأوهام وتصديقها. فليست هناك شروط موضوعية لقبول «تصدير الثورة» في الفضاء العربي المحاذي غربا لإيران، لعدد من الأسباب؛ أكثرها أهمية أن قطاعات واسعة من النسيج الاجتماعي والنخب في الغرب من إيران (المنطقة العربية) تتوق إلى دولة مدنية حديثة، يتساوى فيها المواطنون. وبالتالي لا توجد شروط موضوعية لقبول فكرة «تصدير الثورة» إلا من جيوب تابعة لطهران، وما تقسيم الناس حسب «فرقهم» الفقهية إلا خطاب من الماضي انتهت صلاحيته بالفعل، فمهما اختلفنا على أحداث الماضي، تبقى حقيقة واحدة شاخصة؛ أننا لا نستطيع تغيير ما حدث، ولكن بإمكاننا صنع المستقبل، وهو مبني على قاعدة الدولة المدنية، التي هي مرحلة متقدمة في المشروع الإنساني. كل أشكال الطوائف المنقسمة والمتحاربة قد عفى عليها الزمن، ولم تعد تصلح لزماننا. كما أن شعارات إنصاف «المظلومين والمستضعفين» تنكرها بوضوح طلة واحدة على قطاع واسع منسي؛ هم الشيعة العرب في الأحواز، فهؤلاء الذين أدخلوا إلى الدولة الإيرانية قبل أقل من قرن، وأيضا في ظروف سيولة كبرى إبان وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحوا يعيشون أقل من أقلية مضطهدة، وهم بالمناسبة يشكلون 7 في المائة من مجموع عدد السكان في الدولة الإيرانية (الإحصاءات الرسمية تقلل من النسبة) ويسكنون في مناطق فقيرة ومحرومة مثل خوزستان وهرمستان، ويتوزع آخرون في مناطق أخرى. عند النظر لحال هؤلاء، تنتفي بشكل تلقائي قصة «الدفاع عن المستضعفين»! التي يتبناها الخطاب الإعلامي الإيراني لبيعه للبعض! يتناقض الخطاب النكوصي مع مسيرة العالم في ثورة إعلامية تتمظهر في تسارع وسائل الاتصال والمواصلات وانتقال الأفكار وتشارك شعوب العالم في ثمرات العلم الحديث المرتكن إلى العقل. في مكان آخر، هذا الخطاب النكوصي تتعارض نتائجه على الأرض كليا مع شعاراته التي ما زال يرغب، أو بعض أتباعه، في بيعها للسذج والبسطاء، وهي محاربة إسرائيل! أليس من المهم تذكير الناس بصفقة «إيران - كونترا» 1985 التي تم بموجبها شراء أسلحة من إسرائيل لطهران، وإن نسيها البعض، فإن نتائج «تصدير الثورة» بما فيها الحفاظ على ديكتاتورية الأسد، هي في نتيجتها النهائية وهن الحائط العربي ضد الطموح الإسرائيلي. «عاصفة الحزم» هي تدخل إيجابي لتوفير مساحة حرة لأهلنا في اليمن لأن يقرروا مستقبلهم، بعيدا عن احتمال عودة اليمن إلى حكم ثيوقراطي يعيدهم إلى عصر الإمامة! آخر الكلام: ثمانية وأربعون عاما على هزيمة 1967، كان أحد أسبابها تضليل العرب بخطاب غير واقعي وانفعالي، كما يفعل الحوثي اليوم، فهل يجب أن نلدغ من الجحر نفسه مرتين؟!