التضليل في كثير من الأحيان ينقلب إلى دعاية ثم حقيقة تنتشر ليس عند العامة فقط، وإنما قد يتلقفها أصحاب فكر وعقول وثقافة، ويروجون لها بحسن نية أو بغياب التحليل المنطقي، وإسرائيل استطاعت توظيف دعايتها بأن كسبت أنصاراً من كل آفاق العالم أمام عجز عربي ظل همه نسج العدو الخفي المتآمر، ووضع اللوائح للأشخاص والأحزاب والحكام بالدكتاتورية والإمبريالية إلى آخر ما استنسخناه من شعارات.. لندع ذلك لأنه يتسع لقراءات طويلة حول حروب الدعايات تجارية أو سياسية أو عسكرية، ولكن السؤال كيف استطاعت جماعات الإرهاب الترويج لأفكارها ومبادئها رغم نشر شرائط «الفيديو» بالقتل وأحكام الإعدامات، من أجل إشاعة الرعب والفوضى في مسارح العمليات، وكيف استقطبوا رجال علوم دينية غير سذج وأطباء وعسكريين وتسخير وسائل الاتصال في بث الأحقاد على أصحاب الأديان وحتى المسلمين ممن لا يتفقون مع أفكارهم، لتتسع عملياتهم التي قيل إنها انتهت في أفغانستان بعد قتل ابن لادن وفقاً للرؤية الأمريكية، لنفاجأ بتنامي فصائل داعش والنصرة وغيرهما ممن انفصلت عن القاعدة الأم ثم بث الرعب بين السكان لإخلاء قرى ومدن، واستقطاب الآلاف حتى من النساء والأطفال والتحول إلى قوى تحاربها قوى أخرى؟ للأسف كل الدول عربية، وإسلامية، أو من تدعي خطورة الإرهابيين، لا توجد لديها تحليلات وخلق أفكار ودعايات مضادة ذات منهج ناجح ومتطور، واستخدام كل الوسائل المتاحة لدول تملك الإمكانات المادية والفكرية ومختلف الطاقات بحيث تكون الحرب ليس فقط متابعة بؤر الإرهابيين ومن يغذونهم بالأفكار أو يدعمونهم بالمال، وإنما بتسخير الدعاية المضادة وفق توظيف كل شيء يؤدي إلى كشف التضليل الذي تمارسه تلك الجماعات.. مثلاً لماذا لا تستغل مباريات كرة القدم التي تجلب الحضور الهائل للملاعب أو من يشاهدونها من خلال القنوات الفضائية، وذلك باستغلالها قبل المباريات، أو أثناء التوقف للشوط الثاني وعرض أفلام مختارة بواسطة خبراء للدعاية والإعلام، وعلماء النفس والاجتماع، وكذلك استغلال المعارض التي تستقطب الزوار، أو المساجد التي لم تؤد دورها إطلاقاً، وكذلك المدارس والجامعات، وحتى لوحات الدعاية في الشوارع والأزقة، وتوفير أشرطة وأفلام توزع مجاناً على البيوت ومراكز البيع وبتعاون مع دول تستطيع المساهمة في إعلامها وفضائياتها، أو ترويجها إعلانات مدفوعة الثمن من خلال صندوق تساهم به دول الخليج مع أخرى لديها الرغبة في تنشيط هذا العمل؟ التأثير على العقول، وصياغة رأي عام مقبول هما معارك عديدة، أهمها حرب الأفكار بالأفكار المتطورة، لأن الوسط الذي تغزوه تلك الجماعات هو وسط القاصرين وعديمي الثقافة والوعي، لكن من يجندهم هو الأخطر، لأن الفاصل بين الجنة والنار، ودار الإيمان والكفر هو الجهاد في سبيل الله، ثم إن شرح النعيم في الآخرة كبيت مستقر أبدي، مغريات جندت الكثيرين لأن الدعاية الممنهجة والفاعلة في إقناع تلك الفئات لها قابليات خاصة، بل هناك أنصار مدركون ولهم معرفة جيدة ليس بأصول الدين فقط، وإنما باستخدام المؤثرات النفسية لدرجة أن شعار الموت المقدس، أمام الحياة الفانية يبرره قول المتنبي «فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم» والخطأ الأكبر أننا لم نقدر قوة الدعاية الجاذبة والمضللة لينجح فكر الإرهاب على فكر الإصلاح والحياة السوية، ويذهب الجميع أمام التقصير الكبير والخطير..