×
محافظة الحدود الشمالية

عام / الكلية التقنية بعرعر تحتفل بخريجي دفعه من متدربي العام الدراسي الحالي

صورة الخبر

الانتقال من مشفى مدينة باينه (Peine) في شرق ألمانيا إلى مشفى الدمام المركزي في صحراء السعودية كان نقلة نوعية، سواء في مستوى الأداء التقني أو في جو العمل، فضلا عن بلبلة اللسان ورطانة اللغات. من الصعوبة بمكان التكلم بكل شيء، فعلى المرء أن يقول قولا لايزعج مستيقظا ولا يوقظ نائما، ولكن كما يقول المثل ما لايدرك كله لايترك جله، ثم وهو الأهم التأكيد على الأمور الإيجابية ما أمكن، لمجتمع ينهض من سبات القرون إلى المعاصرة. وهي حكاية الشرق كله. كان ثمة مبادرات للنهضة، ومشاريع تنموية، وإنفاق بسخاء. قال لي يومها مدير التموين، انظر إلى الخزانة الحديدية بجانبي إن فيها خمسة ملايين ريال؟ تعجبت أنا ولم أعلق؟ ويعرف القارئ أن أموالا بهذا الحجم تغري الصالحين قبل الطالحين. سمعت عن الرجل لاحقا أنه حلق إلى منصب كبير ثم طرد ثم أوى إلى بريطانيا ومنها يدير صفقاته؟ لصوص المشاريع كانوا كثيرين فالمال الفاحش يغري. جار لنا قبع في السجن سنوات ليشتري سيارة مرسيدس فاخرة بعد أول يوم من الإفراج عنه. ثم عرفت أنه اشترى فيلتين في الرياض ضربة واحدة مع أزمة صواريخ صدام الطاغية، حين كان يوجه صواريخه في نفس الوقت إلى الرياض وبني صهيون. وهنا أدركت بعمق وبلون من الحزن عن عمق الأزمة الداخلية، وأن الصراع العربي العربي هو التناقض الجوهري الذي يجب وضعه تحت مسبار النقد ومشرط التحليل. أول ما واجهنا نحن -خريجي المدرسة الألمانية- بلبلة الألسن. واكتشفنا أن الجو خاضع للغة الإنجليزية بامتياز. لذا كان على من جاء من المدرسة الفرنسية أو الإيطالية أو الألمانية، أن يغير محاور لسانه، ومفاصل حنكه، ليرطن بلغة ريتشارد قلب الأسد. كان ولعي وهلعي على المريض العربي، أن الطبيب الذي يتعامل معه يجب أن يفهم عليه ممَّ يشكو؟ فهذا أول بيت القصيد. كانت محنة المواطن ثلاثية مع الطبيب النيجيري والهندي وأضرابهم، من أمم شتى من نيبال حتى أمريكا الجنوبية، في ثمانين جنسية، وثلاثين دينا، وسبعين لسانا، بنقل اللغة المحلية ومرادفتها إلى اللغة العربية الفصحى واشتقاقاتها، وهذه بدورها يجب نقلها للغة ويلز وأسكتلندا، والأخيرة أن تنقل إلى اللكنة النيجيرية أو الهندية من تفريعات وتفريخات اللغة الإنجليزية. إذا أخرج لسانه لم تره فهو يتكلم الإنجليزية ولا يتكلمها «يس سير» مع هزة رأس مميزة؟؟ هنا أدركت أن لغة الضاد تدخل معركة خاسرة من أول الطريق. قلت في نفسي لقد أخطأت ثلاثة أخطاء، وهي أنني لم أذهب إلى أمريكا بعد أن نجحت في الفحص المشهور (ECFMG)، أو بالالتحاق بالطب البريطاني لردح من الزمن، ريثما يلين لساني ويفقهوا قولي، وأتمكن من ناصية البيان مع أهل بريطانيا وآيرلندا. أو وهو الخيار الذي ندمت عليه متأخرا، وهو الذي فعله بعض من زملائنا أي البقاء بين الجرمان، فهناك قانون واضح وتحيز يمسك جوانبَه قدر كبير من روح العدالة. باختصار تغيير طريق الرحلة كلها، وهو مافعله زميلاي العجاج والنسر؛ فأما الأول فقد وصف الوضع أنه الزمن المتوقف في المعاملات البيروقراطية؛ فالسنة واليوم لايفترقان عن بعضهما كثيرا، وقد يكون فيه شيء من المبالغة، ولكنها حقيقة صادمة في الشرق عموما أن الوقت لاقيمة له، وهذا كما يقول عالم الاجتماع (الوردي) العراقي: إن الحضارة هي دخول الزمن من خلال الإحساس به، والأمريكان مشهور عنهم قولهم إن الزمن هو مال، وأكثر من ذلك فنحن بيولوجيا نملك رصيدا من الوقت نستهلكه على مدار الساعة، و(مالك بن نبي) المفكر الجزائري حين أراد تحليل مركب الحضارة قال هي 3: تفاعل الإنسان مع الوقت والتراب. أما صديقي الثاني (ثابت النسر) فقد جرب تجربتنا فرجع خائبا، وقال مستحيل أن أدخل هذا المدخل ورجع وتاب، فهو يمارس طب العظام في ألمانيا حتى كتابة هذه الرسائل، أما صديقي الثالث الدكتور نصري فقد تخصص في الطب الباطني وعيادته رائعة اليوم في مدينة آخن لاتفارق الابتسامة محياه. إنه نموذج للإنسان الناجح فبهداهم أقتدي. لقد كسب الاختصاص والإقامة والجنسية والعيادة ورفاهية العيش، وقبلها الأمن من براميل «العجي» بشار في سوريا.