تدور رحى الحرب في العراق هذه الأيام لإخراج «داعش» من مدنه المحتلة رغم صعوبة الأوضاع الداخلية العراقية، خصوصاً التدخلات الخارجية المختلفة التي تزيد من الأزمات وتحارب على جبهات القتال لأهداف متباينة. تشير التحليلات السياسية والعسكرية إلى أن نهاية الحرب ليست هي الهدف الوحيد، وإنما الهدف الأسمى هو تقسيم العراق. فقد نشرت مجلة «فورن بوليسي» الأميركية تقريراً مطولاً تحدثت فيه عن الخيارات المتاحة للعراق، منها التقسيم إلى ثلاث مناطق حكم ذاتي: واحدة للأكراد، وأخرى للسنة، وثالثة للشيعة، مع بقاء بغداد عاصمة مركزية. أما المسؤولون الأميركيون فكانوا أكثر الناس حديثاً عن التقسيم، بل إن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، كان يروج لفكرة التقسيم، ثم جاء جو بايدن نائب الرئيس باراك أوباما، فأكد على التقسيم، ورأى أنه الحل الطبيعي لإنهاء مشكلة العراق الطائفية. أما المرشحان الحاليان هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، فإن المسؤولين في حملتيهما، مثل جاك سوليفان، مسؤول السياسة الخارجية للمرشحة كلينتون، ووليد فارس، المسؤول عن الشرق الأوسط في حملة ترامب، فصرحا أكثر من مرة عن أهمية التقسيم. هذه وغيرها من توجهات سياسية تتبنى فرضية أن تقسيم العراق هو الحل الطبيعي للتخلص من مشكلاته العرقية والطائفية، خصوصاً وأنها ترى أن العراق مقسم أصلاً إلى طوائف ومذاهب في وضعه الحالي، وأن الصراع الطائفي ما زال هدفاً استراتيجياً للقوى المتحاربة للاستحواذ على الأرض، والسيطرة على الموارد والموجودات. وما يزيد أزمة العراق، تدخل القوى الخارجية في شؤونه، والشعور بأن الحكومة المركزية ضعيفة لا تستطيع السيطرة العامة على الطوائف والأقاليم بسبب النزاعات التداخلية، وانتشار الفساد. فالحروب الدائرة منذ أمد بعيد، خصوصاً بعد تحرير العراق من براثن صدام وزمرته، جعلت الأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ. فلقد تغير هدف الأميركيين من عراق ديموقراطي ألى عراق طائفي وعرقي يتحارب فيه مختلف الفصائل العرقية والعشائرية والجهادية، والبعثية، والغالبية من هذه الفصائل تتعامل مع قوى خارجية، وتحصل منها على المال والسلاح. ويبدو أن أميركا ترى في تقسيم العراق، تماثلا مع ما حدث في تقسيم السودان، والصومال، والبوسنة، رغم أن آخرين لا يتفقون على التقسيم ويجدون أن أوضاع العراق مختلفة تماماً عن هذه الدول، وأن التقسيم لن يعالج مشكلة العراق، خصوصاً أن الغالبية من العراقيين لا يؤيدون فكرة التقسيم والتي أظهروها في الانتخابات البرلمانية في السنوات الأخيرة، لكن هناك اتفاقاً عاماً على سيادة إقليم كردستان العراق واستغلاله، وأهمية استمراره بنظام الحكم الذاتي. خلاصة التباينات الفكرية تجاه تقسيم العراق، تجعلنا لا نتفق على التقسيم المبني على الأسس الاجتماعية والطائفية والعرقية أمام أهمية إنهاء كل أشكال الصراع في العراق، والتخلص من كل العوامل المؤثرة في وحدته وكيانه، والحاجة للالتفاف حول عراق موحد يجنب تدخل القوى الخارجية في شؤونه وإدارة حكمه، والسيطرة على موارده. إن استقرار العراق والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه ليست هي مجرد أهداف أو مبادئ عراقية، وإنما كذلك عربية، وبالذات الدول الخليجية التي ترى في استقرار العراق ووحدة أراضيه وسيادته على كامل أرضه عوامل داعمة لاستقرارها، ونهضتها، وفي شكل التعاملات المستقبلية مع العراق في شتى المجالات، خصوصاً المجالات الأمنية والسياسية. yaqub44@hotmail.com