يلتقي الرئيس محمود عباس غداً وزير الخارجية الأميركي جون كيري للبحث في عملية السلام التي تواجه معضلات تحول دون حدوث أي اختراق فيها، في وقت كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس أن الولايات المتحدة تلوّح بفرض خطة سلام على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في حال تعثرت المفاوضات الجارية بينهما وأنها لن تتردد في الضغط على الطرفين لتبنيها. وقال مسؤولون فلسطينيون لـ «الحياة» ان عباس سيطلب من كيري تدخلاً اميركياً مباشراً لانقاذ المفاوضات التي تواجه خطريْن كبيريْن هما: التوسع الاستيطاني، ورفض الجانب الاسرائيلي الدخول في جوهر العملية التفاوضية، وهي قبول فكرة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 والتفاوض على رسم الحدود. وكانت اسرائيل أعلنت منذ بدء المفاوضات قبل ثلاثة اشهر سلسلة مشاريع توسع استيطاني شملت اقامة آلاف الوحدات السكنية. وفي غرف التفاوض، انصبت مطالب الوفد الاسرائيلي على الامن، اذ طالب برسم الحدود وفق المصالح الامنية للدولة العبرية. وشمل ذلك المطالبة بإبقاء الاغوار التي تشكل 28 في المئة من مساحة الضفة، ومحطات الانذار المبكر والمعابر مع الاردن تحت السيطرة الاسرائيلية. وشهدت العملية التفاوضية تدهوراً في الأيام الاخيرة نتيجة اعلان اسرائيل المزيد من مشاريع التوسع الاستيطاني، ومنها مشروع بناء 1558 وحدة استيطانية في مستوطنتي «رامات شلومو» و»بسغات زئيف»، ومشروعان سياحيان قرب البلدة القديمة في القدس ومنطقة الشيخ جراح. وكان كيري أعلن قبيل وصوله الى البلاد انه يتوقع حدوث تطور في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية في الاشهر المقبلة. لكن عدداً من المسؤولين الفلسطينيين شكّك بقدرة الوزير الاميركي على إحداث تغيير في مسار المفاوضات. وقال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه: «لا أتوقع ان يحمل كيري معه سوى الوعود المتكررة بأن انفراجة ستحدث بعد شهور، لكن في الواقع الامور تزداد سوءاً». واضاف: «لا توجد مفاوضات، يوجد استعداد من طرفنا للدخول في عملية سياسية، ويوجد طرف آخر لا يستمع الى هذا، ويرد علينا بالجرافات وفرض المزيد من الحقائق على الأرض». وتابع: «كل ما يجري على الارض لا يشير الى ان هناك عملية سياسية ترمي الى انهاء الاحتلال، وانما العكس، فما يجري هو توسيع للاحتلال». ورأى ان لا سبيل امام الفلسطينيين سوى الذهاب الى مجلس الامن ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ اجراءات ضد اسرائيل. فرض حل اميركي وعلى الجانب الاسرائيلي، نقلت إذاعة الجيش أمس عن مصادر فلسطينية مطلعة وديبلوماسيين أجانب التقوا أخيراً مسؤولين فلسطينيين كباراً، بينهم الموفد الخاص لمفاوضات السلام مارتن إنديك، أن الأميركيين سيطرحون على الطاقمين المفاوضين خطة للتسوية الدائمة في حال لم تسجل المفاوضات الحالية أي تقدم خلال شهرين. وتابعت أن كيري أطلع نتانياهو على خطته هذه خلال لقائهما في روما قبل اسبوعين. وبحسب هذه المصادر، فإن الخطة تقوم أساساً على «خطة (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون» التي طرحها عام 2000، مع تعديلات تتلاءم وما تم تناوله في المفاوضات حتى الآن، وتتطرق إلى جميع القضايا الجوهرية في الصراع، مؤكدة أن الحديث يدور عن خطة للتسوية الدائمة تقوم على أساس حدود عام 1967 مع تبادل أراض، وليس على تحقيق اتفاق مرحلي. وتابعت الإذاعة أن الإدارة الأميركية عاقدة العزم على ممارسة ضغوط على إسرائيل والسلطة الفلسطينية من أجل تحقيق اختراق سياسي حتى منتصف العام المقبل. وزادت أن الأميركيين مقتنعون بأن نتانياهو وعباس يتمتعان، كل في بلده، بالدعم السياسي الكافي للتقدم في عملية السلام، و»لذا من الصحيح أن يتم دفعهما نحو هذا الاتجاه». وأشارت الإذاعة إلى أن المصادر السياسية في إسرائيل لم تنفِ الخبر بل ردت عليه بتأكيد استعداد إسرائيل درس أي خطة يتم اقتراحها، شرط أن تأخذ في الحسبان المصالح الاستراتيجية لإسرائيل وأولاها احتياجاتها الأمنية. من جهتها، أكدت زعيمة حزب «ميرتس» اليساري النائب زهافه غالؤون للإذاعة أنها سمعت من شخصيات فلسطينية التقتها أخيراً نية الإدارة الأميركية فرض خطة للسلام بهدف تحقيق إنجاز سياسي مطلع العام المقبل، وأن الأميركيين يعتزمون الانتقال من مرحلة التنسيق إلى مرحلة التدخل «وسيدخلون غرفة المفاوضات ويطرحون خطة سياسية على الطاولة». وتابعت أن الخطة الأميركية تتضمن جدولاً زمنياً لتطبيق الخطة، فضلاً عن أنها تشمل خطة اقتصادية لاستثمار بلايين الدولارات في الاقتصاد الفلسطيني. وحذر النائب من حزب «العمل» المعارض يعقوف هرتسوغ من ان إسرائيل تفقد سيطرتها على مستقبلها بفعل سياسة نتانياهو «الذي يتوجب عليه حسم موقفه وما إذا كان يدعم حقاً رئيسة طاقم المفاوضات تسيبي ليفني أم أنه ينجر وراء المعسكر المتشدد في حكومته». وأضاف أن المطلوب من نتانياهو أيضاً أن يقرر ما إذا كان يتطلع لتسوية حقيقية أو يواصل توسيع الاستيطان، وأن يحسم بين ما إذا كان يسيطر على سير المفاوضات أم يقود إسرائيل إلى طريق مسدود». وكان رئيس هيئة الأمن القومي في مكتب رئيس الحكومة الذي قدم استقالته أول من أمس يعقوف عميدرور حذر من مغبة فشل المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وانعكاساتها على مكانة إسرائيل الدولية «على نحو يزيد من عزلتها ويوسع رقعة المقاطعة عليها». وقال في استعراضه الأخير أمام الحكومة إن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية مهمة جدا «وحسّنت مكانة إسرائيل في العالم»، وأنه يجب بذل الجهود من أجل مواصلتها «لأنها تؤثر بشكل إيجابي على الجبهات المختلفة، فيما انهيارها يعزز توجه المقاطعة ويوسع العزلة الدولية، وتحديداً من أوروبا حيث تتعزز الاتجاهات الداعية إلى المقاطعة». واعتبر عميدرور «ايران نووية» تهديداً وجودياً على إسرائيل «يجب بذل كل الجهود لإزالته بالمفاوضات إذا أمكن، وبطريقة أخرى إذا لم تنجح المفاوضات». وتابع أن الوضع الذي تعيشه إسرائيل بسبب الملف الايران والتطورات في الدول العربية المحيطة بها هو الأكثر تعقيداً من 40 عاماً ويتطلب كمّاً هائلاً من الحذر والكثير الكثير من التفكير».