بلغت السيدة المصرية البسيطة والمتواضعة صيصة ابو دوح من الشهرة والمكانة لم تبلغ بها اى امرأة مصرية مكانتها منذ زمن طويل! عرفها كل الناس وكتبت عنها الجرائد وتم تكريمها في اكثر من مكان ومن اكثر من هيئة، بل وكرمها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نفسه. لكن ماذا فعلت السيدة صيصة لكى تنال كل هذا التقدير والتكريم والشهرة؟ الحكاية ببساطة هى ان صيصة امرأة مكافحة من جنوب مصر، مات زوجها فاضطررت للعمل لوحدها، ولكن منتحلة صفة رجل، اى انها كانت تلبس ملابس الرجال وتخفى انوثتها بكل الوسائل، وظلت على هذا الحال لمدة اربعين عاما تكافح وتشقى من اجل توفير اللقمة الشريفة والبيت المناسب لاسرتها واعالتهم بكل الطرق النظيفة، بحيث لا تمد يدها الى احد ولا تضطر الى الشحاذة كما يفعل الكثيرون اليوم. وتاريخ السيدة صيصة مليء بالمعاناة ولكن بالتضحية والنضال. فقد عملت في قطاعات غير رسمية كثيرة، من الحقول واعمال البناء والتشييد وحتى الى مسح الاحذية، ولم تترك عملا شريفا الا واشتغلت فيه وهى سعيدة وغير متذمرة من الحياة التي اجبرتها على هذا الشقاء. اما لماذا اختارت صيصة ان تكون رجلا؟ فتعترف باكية في مقابلة تلفزيونية اجريت معها مؤخرا: تخفيت في زي الرجل حتى لا تنهشنى الاعين، وحتى لا الاقي الاهوال في مجتمعاتنا الرجولية. وجدت صيصة ان الحياة الكريمة في هذا الزمن يبرر للمرأة القيام بأشياء كثيرة، ليس من بينها طبعا العمل في اشغال غير شريفة او محرمة او رزقها حرام، فالمهم ان تعيش وتطعم اولادها بكرامة وشرف وحلال. ولم تخجل صيصة من الاسئلة الكثيرة التي وجهت لها من وسائل الاعلام عن تخفيها في شكل ولباس وكلام رجل، بل قالت باعتزاز نادر: لقد قمت بذلك وانا معتزة بنفسي كثيرا، واذا كانت لقمة عيش اولادي الشريفة تتطلب منى ذلك فسأقوم بها، وقد فعلتها لمدة اربعين عاما، وها انا اليوم اخرج لكل الناس مرفوعة الرأس، ومفتخرة من اننى استطعت ان اعمل واكافح واترك الياس الذي كان من الممكن ان يسيطر علي بعد وفاة زوجي. لا اظن ان السيدة صيصة هى الوحيدة التي تفتخر بنفسها، بل اعتقد ان جميع الناس سوف يتذكرونها دائما بكل فخر كامرأة هزمت مجتمعها واستجمعت قواها وكافحت حتى ابهرت كل من كان يعرفها. انها امرأة نادرة في زمن قل النادرون فيه، وامرأة تستحق ان تنال الفخر المستحق من بلدها. فما اقل الكفاح اليوم وما اكثر الكسل والتفاهة!