×
محافظة المنطقة الشرقية

رحيــل الدوخلة

صورة الخبر

«الإمبراطورية أو القوة العظمى، مثل حاملة الطائرات العملاقة، كلاهما لا يستطيع الاستدارة أو تحويل الدفة بدرجة حادة في لمحة من الزمن، فالتحولات الكبرى تتطلب بعض الوقت».. هذا التعبير قاله أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي معلقاً على اتهامات دولية لواشنطن بالنكوص عن تعهدات، أو بخذلان حلفاء لها في مواقف بعينها. سياسات أوباما تبدو غير مرضية حتى لكثيرين داخل الولايات المتحدة، فقدرة الرجل على الوفاء بتعهداته لناخبيه تواجه مقاومة داخلية حادة، هددت قبل أسابيع بـ «إغلاق الحكومة الأمريكية» على خلفية نزاع مع الكونجرس حول تطبيق قانون الرعاية الصحية» أوباما كير»، وهى أيضاً غير مرضية لكثيرين خارج الولايات المتحدة، ولعل الرئيس الأمريكي يواجه في اللحظة الراهنة واحدة من أعتى أزمات واشنطن مع أقرب حلفائها الأوروبيين على خلفية فضيحة التجسس على هواتف 35 رئيس دولة بينهم زعامات كبرى في الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم أنجيلا ميركل سيدة أوروبا بلا منازع، التي تعرضت للتجسس المباشر على هاتفها النقال العتيق»نوكيا» الذي لم تغيره على مدى سنوات. قبل شهور، وعلى مدى عدة أسابيع ، قمت ضمن سلسلة مقالات تناولت ملامح التغيير في فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة، برصد انتقال واشنطن في عهد أوباما من مقعد القيادة بأعبائه والتزاماته واستحقاقاته، الى «القيادة من مقعد خلفي» وأشرت الى تطبيق المنهج الجديد في التعامل مع الحالة الليبية، حين اكتفت واشنطن بتزويد حلفائها في الناتو بصور الأقمار الاصطناعية، وبطائرات صهريج لتزويد قاذفات الناتو بالوقود في الجو، وبتمركز بعض قطع الأسطول السادس الأمريكي قبالة الشواطىء الليبية، للقيام بأعمال الرصد والتشويش لحساب الحلفاء. وفي مرحلة تالية، عقب انتقادات في الداخل الأمريكي اعتبرت أن من العار أن تجلس واشنطن في المقعد الخلفي تاركة القيادة لآخرين، عادت إدارة أوباما للحديث عما أسمته بـ «الشراكة الأمامية» ، أي أنها انتقلت من المقعد الخلفي الى مقعد أمامي بجوار قائد سيارة الأزمة ، وهو ما حاولت الإدارة الأمريكية التسويق له خلال معالجتها لأحد أطوار الأزمة السورية، لكنها سرعان ما لوحت بميل للجلوس خلف عجلة القيادة عقب اتهامات لنظام الاسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه في منطقة «الغوطتين» قبل بضعة أسابيع. التلويح الأمريكي بقيادة عملية محدودة ضد نظام الأسد، أشاع فيضاً من الأمل لدى كثيرين، في إمكانية إنهاء معاناة الشعب السوري مبكراً، والالتفات إلى استحقاقات إقليمية أخرى ضاغطة، يتقدمها التهديد النووي الإيراني، لكن الأمر لم يستغرق بضعة أيام نكص بعدها أوباما عن تعهداته بعدما رهنها بإرادة الكونجرس الأمريكي، الذي لوح بدوره برفض التدخل العسكري الأمريكي المباشر في الأزمة السورية، وفي تلك الأثناء بدا أن التلويح الأمريكي بالقوة، قد حقق غايات أوباما، في الإمساك بتلابيب مقاربة جديدة للتعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، وهكذا فالرجل لم يكن جاداً في التهديد باستخدام القوة ضد الأسد، وإنما أراد منه تهيئة ظرف موات لوضع برنامج إيران النووي تحت ضغط، يقود طهران الى طاولة تفاوض وفق حسابات قوة جديدة. أمس الأول، أتمت حاملة الطائرات «الامبراطورية» استدارتها التي استغرقت أكثر من عامين، بعدما كشفت مصادر أمريكية وثيقة الإطلاع عن مبادىء جديدة حاكمة للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بصفة خاصة، انتهت اليها لجنة مراجعة شكلها أوباما برئاسة سوزان رايس مستشارة الأمن القومي التي يثق الرئيس في حزمها. رايس التي أنجزت وفريقها عملية المراجعة قالت:» ان هدف الرئيس أوباما هو تفادي «الانزلاق» الى أحداث في الشرق الأوسط، «تبتلع» سياسته الخارجية، كما ابتلعت أجندة رؤساء أمريكيين سابقين.. فلا يمكن ان نستهلك 24 ساعة يومياً من الجهد في منطقة واحدة مهما كانت أهميتها.. الرئيس رأى أن من المهم أن نعيد تقويم نظرتنا الى الشرق الأوسط بشكل يتضمن الكثير من النقد».. هكذا قالت رايس «طباخ الرئيس» عن استراتيجيته الجديدة تجاه المنطقة بعد عملية مراجعة استغرقت بضعة أشهر. الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة - طبقا لصحيفة نيويورك تايمز- والتي سوف تتبناها إدارة أوباما خلال الفترة المتبقية له بالبيت الأبيض، حددت أربعة أسس جديدة لاستخدام القوة في الشرق الأوسط هى: -»الرد» على اعتداء ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. - «الرد» على «إحداث خلل» في حركة ناقلات النفط.. ( مضيق هرمز أو قناة السويس مثلاً). -»الرد» على شبكات الإرهاب. - «الرد» على انتشار سلاح دمار شامل.. (سلاح نووي بإيران مثلاً). لاحظوا معي كلمة «الرد على» .. أي أن المبادأة والمبادرة ستكون غائبة، والتعامل الاستباقي أو الوقائي مع الأخطار الماثلة لن يكون حاضراً. أما أولويات أوباما تجاه المنطقة خلال الثلاثين شهراً المتبقية من رئاسته فسوف تركز طبقا لاستراتيجية رايس على ما يلي: *عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد عهد بها أوباما الى وزير خارجيته جون كيري. * معالجة الملف النووي الايراني، وقد احتفظ أوباما بهذا الملف تحت إبطه. * «الوساطة» في الأزمة السورية... ولاحظوا معي تعبير «الوساطة» حيث تكون المهمة نقل الرسائل بين الأطراف بأكثر من التأثير في مواقفهم. التحول الاستراتيجي في السياسة الأمريكية استغرق وقتاً في صياغته، وبات إحدى حقائق السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، والرد عليه أو التعاطي معه، يقتضي استيعابه أولاً، فالإدارة الأمريكية لن تغير العناوين الرئيسية، لكن مساعي تغيير محتواها تظل ممكنة لسائر الأطراف المعنية، من خلال السعي لإعادة تعريف مفهوم «التهديد النووي» الإيراني، وهل يعتبر امتلاك المعرفة النووية أوالقدرات النووية تهديداً، حتى قبل امتلاك سلاح نووي أو الشروع في محاولة إنتاجه؟! وكذلك من خلال السعي لإعادة تعريف «الاعتداء على حلفاء أمريكا» وهل يقع الاعتداء بمجرد التهديد به أم أنه لابد من استخدام مباشر للقوة ضد حلفاء واشنطن حتى يعتبره البيت الأبيض اعتداء؟!.. أمريكا قررت العودة إلى المقعد الخلفي في الشرق الأوسط وترك التفاعلات الإقليمية تؤتي تأثيرها بما لا يعرض للخطر «المباشر» مصالح أمريكية محددة في الإقليم، لكن توقيت القرار الأمريكي يبدو مزعجاً لأطراف كثيرة في المنطقة، وإن كانت المراجعة الأمريكية تستدعي بدورها مراجعة عربية في العمق على مشارف نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تمنحه استراتيجية أوباما الجديدة قبلة الحياة. moneammostafa@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain