لا أعلم إن كان القائمون على «منتدى الإعلام العربي» في دبي يعلمون أن الفكرة الجديدة التي لجأوا إليها أمس بألا تتجاوز جلسات المنتدى المتخصصة مدة 20 دقيقة، قد استنبطوها من وحي الخيال، أم من خبرتهم المتراكمة الملحوظة في الميدان الإعلامي. ذلك أن واقع الحال يقول إن نفَس المستمع قصير، لا سيما بعد تكالب وسائل التكنولوجيا الحديثة التي عودتنا على أن ننتظر «زبدة» الخبر وننفر من الحشو الكلامي. وقد اكتشف العلماء فعلا أن فترة الانتباه (attention span) مدتها عشرون دقيقة، حسب دراسة نشرتها سابقا، ثم سرعان ما تتراجع مقدرتنا على التركيز، إذا قل معدل تفاعلنا أو إشراكنا في الحديث. وهذا ما يدفع إذاعة عريقة مثل «بي بي سي» إلى التنويع خلال العشرين دقيقة ببث موجز نشرة الأخبار وعناوينها وتفاصيلها، ثم لقاء قصير، وفاصل.. وغيرها، للحفاظ على أكبر مدة ممكنة من التركيز، حسبما أخبرني مراسلها الأسبق د. محمد العجمي. وصراع الحفاظ على انتباه المتلقي هو ما يدفع أحيانا المحاضرين المحترفين إلى التخلي (تأجيل فقرة الأسئلة) إلى النهاية، بإفساح المجال لأي سؤال أثناء المحاضرة أملا في بث روح التفاعل. وفي دراسة حديثة أجرتها جامعة لندن على قبيلة نائية في أفريقيا حافظ أهلها على البقاء في الريف، وقبيلة أخرى انتقل أفرادها للعيش في مناطق حضرية، أظهرت النتائج ما «فاق توقعات» الباحثين؛ حيث تبين أن الجماعات الحضرية (القبيلة المتمدنة) أظهرت صعوبة في تركيز الانتباه في اختبارات متنوعة أعدت لهم، مقارنة بأفراد القبيلة التي حافظت على بقائها في الريف. وكان أحد الأسباب يعود إلى أن «الناس في المجتمعات الحضرية يتمتعون بمحفزات تنبيه أكثر، حيث يتحلون بإفراط من حيث استخدام البصر والأصوات»، وهو من الأسباب التي تشتت تركيزهم، بحسب تقرير نشرته «بي بي سي». والواضح أن الانتباه يعتمد على أمور عدة؛ منها مدى اهتمامنا بالمادة، ومدى أخذنا قسطا كافيا من النوم، ومدى سلاسة طرح المتحدث وحتى الكاتب! غير أن الحفاظ على انتباه الناس في عصر التراشق المعلوماتي لم يعد أمر يسيرا، وهو ما يبدو أن «منتدى الإعلام العربي» قد أدركه جيدا؛ حيث استمتعنا هذا العام بالاستماع إلى محاضرات مكثفة ومباشرة أكدت أنك تستطيع أن تقول ما تشاء في غضون عشرين دقيقة.. فخير الكلام ما قل ودل.