في الماضي غير البعيد ورغم الإمكانات المحدودة كان المعمل الخاص بالمواد العلمية، وخاصة في الصفوف الثانوية، جزءا مهما في المدارس. وكانت التجارب في المعامل لمواد الفيزياء والكيمياء والأحياء إحدى أهم الوسائل لترسيخ المعلومة في ذهن الطالب، وتساعد في توسيع المدارك للطالب فيما يخص التجارب العملية. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ الاهتمام بالمعامل المخبرية يقل، واصبح الطالب في المملكة لا يعير أي أهمية لما يمكن أن يراه على الطبيعة في المختبرات والمعامل. وفي الوقت الحالي ومع تطور العلوم بدأت الكثير من المدارس الثانوية بالعودة للاهتمام بالمعامل والمختبرات. وقبل عدة أيام، تلقيت دعوة من أحد الزملاء، وهو مدير لواحدة من المدارس بمدينة الخبر؛ لحضور حفل تكريم لطلبتها، ممن قاموا ببعض الأعمال والإنجازات من طلبتها. وللأمانة فقد ترددت في الحضور؛ بسبب علمي بالروتين المتبع في مثل هذه الاحتفالات. ففي السابق كنت أرى لوحة فنية مكتوبا عليها عمل الطالب فلان بإشراف المدرس فلان، واللوحة في الحقيقة قام الطالب بدفع مبلغ لأحد مكاتب الخط والأعمال الفنية ليتم عرضها في معرض المدرسة، ومن ثم يكون مصيرها سلة المهملات. ولكن علمت لاحقا أن ما سيتم عرضه هو تجارب فيزيائية وكيميائية أمام الحضور. وسيكون الطلبة هم من سيقومون بالشرح والإجابة على الأسئلة والاستفسارات من الحضور. وبالفعل ذهبت للمدرسة، وقد رأيت منظرا يسر الخاطر، فيما يخص طلبة الثانوية وعنوان مواهبهم وقدراتهم على الإبداع والتفاعل. فقد كان الطلبة يلبسون ملابس خاصة بالمعامل، وأمام كل مجموعة تجربة علمية، يقومون بتنفيذها أمام الحضور دون أن يشارك أي من مدرسي المدرسة. وأثناء مشاهدتي لبعض من هذه التجارب، فقد لامس بعضها ذكريات أيام قضيتها في معامل مدرسة الهفوف الثانوية منذ عدة عقود. فقد استمعت إلى شرح عن مركز تركيز الحمض ورأيت كيفية الطلاء بالكهرباء وعرفت معنى كلمة الخلية الجلفانية. وقد كانت التجارب علمية بحتة قام الطلاب بإعدادها وعرضها وقاموا بالحديث عنها وشرحها بأسلوب مبسط وعلمي. وزيادة على ذلك، قمت بالحديث مع بعض المدرسين لتلك المواد العلمية، وبدا عليهم الحماس والتفاعل فيما يخص الأنشطة العلمية للطلبة. وهذا الحماس كنا قد بدأنا نفقده في كثير ممن ينتمي لسلك التعليم. وفي الوقت الحالي فالمعامل والمختبرات تمثل أهمية كبيرة لجعل الطالب يرى الأمور العلمية تحدث أمامه. فهذه الطريقة ترسخ المعلومة في ذهن الطالب. وكما يقولون فصورة واحدة أفضل من ألف كلمة. وإضافة لذلك لا بد من تكثيف الأمور العملية في المدارس؛ لأن ذلك يجعل الطالب أكثر استعدادا للحياة الجامعية، وكما يعلم الجميع فهناك في الوقت الحالي دراسات وخطط إستراتيجية تهم الشاب السعودي منذ الصفوف الأولية فيما يخص زيادة اهتمامه بأمور تهم مستقبله العملي، وتجعله أكثر استعدادا لسوق العمل. فتجهيز المواطن لسوق العمل يبدأ من سن مبكرة، ومن خلال المدارس في صفوف مبكرة. ومن خلال المعامل والمختبرات سواء مختبرات كيمياء أو فيزياء أو أحياء أو معامل كمبيوتر من شأنها أن تحدد ميول الطالب في سن مبكرة، وتجعل العمل اليدوي والمهني معروفا لدى الطالب، والذي هو في نهاية المطاف سيكون جزءا من اليد العاملة.